رحيل أيقونتين أدبيتين... العسكر والقصيبي

نشر في 17-08-2025
آخر تحديث 16-08-2025 | 20:09
 بدر خالد البحر

بعد كتاب شعر امرئ القيس، الذي ورثناه من أحد أجدادنا في طفولتنا، كان كتاب شعر فهد العسكر هو أول كتاب نشتريه بعمر البلوغ من أموال جمعناها في حصالة، فغرس الكتابان حبنا للكتابة والشعر، ولا بُد أن فهد العسكر بشعره قد غرس وهو لا يعلم بذور الأدب في عقول كثير من الكويتيين.

فتاريخه كما هو بالكتب والمواقع يشير إلى ولادته عام 1917 في سكة عنزة، ويصادف يوم وفاته الأول من أمس 15 أغسطس 1951م، وهو من الشعراء الروّاد في الكويت من حيث الفصاحة والبلاغة واللغة التي فاق فيها عصره بالكويت.

ورغم أنه نشأ في عائلة متدينة ودرس بالمباركية عام 1922 وبعدها بالأحمدية، فقد انتقل إلى التحرر لدرجة فقد فيها التدين تماماً، مما تسبب في حرق أهله لمخزونه الشعري بعد وفاته، لطمس شخصيته لأنها أفكار غير معهودة في عصره، فاتهمه مجتمعه المتحفظ بالخروج عن الدين، ولولا احتفاظ أصدقائه ببعض قصائده لما بقي شيء من نتاجه الأدبي.

لقد مرض فهد وعاش بغرفة مظلمة قريبة من سوق واجف، وتدهورت صحته حتى أصابه العمى، فعطف عليه شقيقه خالد العسكر، وأخذه إلى بيته لمدة ثلاثة أشهر، فازدادت حالته سوءاً ونقل إلى مستشفى الأميري، وبعد شهرين أصيب بالدرن وانتقلت روحه إلى بارئها في 15 أغسطس عام 1951، ولم يصلّ عليه في مسجد المديرس - حسبما قيل - إلا الشيخ عثمان عيسى العصفور، وثلاثة من المهرة، والسيد أحمد علي راشد العجيل، ودفن في مقبرة قصر نايف. وقد أنشأت مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري جائزة شعرية باسمه في 10 فبراير 2001، في العام نفسه الذي حصلت فيه الكويت على لقب عاصمة الثقافة العربية.

الغريب في شعر العسكر أنه ظل يحاكي معاناتنا كمجتمع في حقب الفساد السياسي الماضية، وقد كتبنا مقالات عديدة، واستشهدنا بأجمل أبياته التي حفظناها منذ المراهقة، وأكثرها تأثيراً ووصفاً وحكمة مثل:

وطني وما أقسى الحياة به على الحُرّ الأمين

وألذ بين ربوعه من عيشتي كأس المنون

قد كنت فردوس الدخيل وجنّة النذل الخؤون

ما راع مثل الليث يؤسر وابن آوى في العرين

والبلبل الغرّيد يهوي والغراب على الغصون

في نفس تاريخ، اليوم والشهر، الذي توفي فيه العسكر، توفي هامة الشعر والأدب والثقافة بالخليج، غازي القصيبي، السفير والوزير السعودي الغني عن التعريف، الذي لن تسعفنا الصفحات للمرور بمناقبه وإنجازاته أو نغوص أغوار حياته.

فغازي نشأ في بيئة، كما يصفها هو، مشبعة بالكآبة بعد ولادته في 2/ 3/ 1940، فقد توفيت والدته بعد تسعة أشهر من ولادته، وعاش بلا أقران أو أطفال بعمره يصادقهم.

حصل غازي على البكالوريوس من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وعلى درجة الماجستير بالعلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا، وحصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن.

تولى القصيبي مناصب عدة، منها مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية عام 1973، ثم وزيراً للصناعة، فالصحة، وبعدها سفيراً بالبحرين، ثم سفير السعودية لدى بريطانيا عام 1992، وبعدها عاد وزيراً للمياه والكهرباء 2003، ثم وزيراً للعمل 2005، كما مُنح غازي وسام الكويت ذا الوشاح من الطبقة الممتازة عام 1992، ومُنح وسام الملك عبدالعزيز، وأوسمة عديدة عربية وأجنبية، وله العديد من الكتب والإنتاج الأدبي والشعري والصحافي. وقد استهوانا شعره، ومن بين أجملها رائعته «حديقة الغروب»:

خمسٌ وستون في أجفانِ إعصارِ

أما سئمت ارتحالاً أيها الساري؟

فسبحان قدر الله أن تزامن التاريخ، اليوم والشهر، لرحيل أيقونتين أدبيتين شعريتين فاقتا عصرهما... العسكر والقصيبي!

***

إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.

back to top