كيف تعلمت أن طلاب الجامعات ليسوا هشّين كما يُقال؟
لطالما هددت بأن أدرّس مادة أسميها «كتب لن تقرأها في الجامعة».
لم يكن الأمر مجرد ضجر من سماع الطلاب يكررون الشعارات الأيديولوجية السائدة، بل كان قلقي الأكبر من أن كثيرين منهم يتهربون من مناقشة القضايا الاجتماعية والأخلاقية والسياسية المهمة.
عندما طلبت من طلابي أن يكتبوا بشكل مجهول المواضيع التي يتجنبونها في الصف، جاءت القائمة طويلة: السلاح، الدين، الهوية الجندرية، الشرق الأوسط، الإجهاض، المثلية، الاشتراكية، العنصرية، الشرطة، دونالد ترامب... باختصار: كل ما هو مثير للجدل.
هذا الربيع قررت أن أنفذ تهديدي، صغت مادة بعنوان: «لا يمكنك أن تفكر بهذا! أو هل يمكنك؟». بدأت المنهج بقراءة «اعتذار سقراط» لأفلاطون و«عن الحرية» لجون ستيوارت ميل، ثم انتقلت إلى كتب معاصرة مثيرة للجدل، مثل «أوهام العدالة الاجتماعية» لتوماس سويل، و«الحرب على الشرطة» لهيذر ماكدونالد، و«الضرر غير القابل للإصلاح» لأبيغيل شراير، و«تزوج» لبراد ويلكوكس. المفاجأة أن المادة امتلأت خلال دقائق وتكوّنت قائمة انتظار طويلة.
مع ذلك، كنت متوتراً، ماذا لو فشل الأمر؟ قبل أعوام، كدت أتعرّض للوم لمجرد أني طلبت من الطلاب قراءة كتاب «تدليل العقل الأميركي» لغريغ لوكيانوف وجوناثان هايدت، إذ كان يُعتبر حينها نقداً مباشراً لسياسات التحذيرات المسبقة والتدريب على «التحيزات الدقيقة»، فكيف ستكون الحال الآن وأنا أبني مادة كاملة على كتب أكثر استفزازاً؟
وضعت في المنهج فقرة تحذيرية: «من المرجح أن يقرأ المشاركون في هذا الصف أو يسمعوا ما قد يسيء إليهم، بمجرد اختياركم للمشاركة، فإننا نتحمل هذا الخطر طواعية». لكن ما حدث فاق توقعاتي: لم يشتكِ أحد من «خطر نفسي»، لم يستدعني أي مسؤول جامعي، ولم أتعرّض للرقابة أو الإلغاء.
على العكس، أبدى الطلاب حماسة كبيرة، واكتشفوا أنهم قادرون على قول ما يفكرون فيه وتغيير آرائهم بعد سماع حجج الآخرين. لم تكن الصفوف أحادية التوجه، بل ربما كانت الأكثر تنوّعاً في مسيرتي، سياسياً ودينياً وحتى ثقافياً.
في الصف كان هناك مَن يدافع عن تعدد الأزواج، وآخر يناصر الزواج التقليدي. طالبة تصف نفسها بالصهيونية، وأخرى تكتب أطروحة ناقدة للدعم العسكري الأميركي لإسرائيل، ومع التدرّب، صاروا جميعاً «أصدقاء فكريين» رغم خلافاتهم. كنا نتعلم أن نستمع بجدية حتى إلى «المفكرين المارقين»، وأن نبحث عن شيء صحيح أو نافع في أفكار قد نظنّها خاطئة.
لم يقتصر النقاش على القاعة الدراسية، الطلاب كانوا يواصلون جدالاتهم في الممرات ويحددون مواعيد للغداء لمواصلة الحوار.
كيف أمكن أن ينجح هذا وسط المناخ الجامعي الحالي؟ أعتقد أن السر في التوقعات. الطلاب يعيشون غالباً على قدر ما نتوقعه منهم. إذا ذكّرناهم بحريّة التفكير، وأكدنا أن الجامعة والإدارة والأساتذة ملتزمون بهذه الحرية، فلن تجد قضية يخشون مناقشتها.
في صفي ناقش الطلاب بحريّة ما إذا كانت الولايات المتحدة «أعظم دولة في العالم»، وما إذا كان استخدام «العنصرية» تفسيراً مبالغاً فيه للمشكلات الاجتماعية، وما إذا كانت الهوية الجنسية تفوق البيولوجيا. لم يترددوا في أي موضوع.
وهكذا، فالطلاب ليسوا «هشّين» كما يُشاع. في أعماقهم هم متعطشون للحرية الفكرية، وهي حق لهم. كثير من أساتذتهم تلقوا هذا النوع من التعليم، وعليهم أن يمنحوه بدورهم لطلابهم. دوري كأستاذ هو أن أعلّمهم أن رفض فكرة ما لا يعني رفض صاحبها. كما كتب أحد الطلاب في تقييمه الأخير: «هذه التجربة غيّرت قواعد اللعبة بالنسبة لي. الناس أكبر من أفكارهم».
أنا أرى أن هذه هي رسالة التعليم الحق: أن نصنع فضاءً يُتاح فيه للطلاب أن يختبروا الأفكار بلا خوف، وأن يتعلموا أن الاختلاف لا يلغي الاحترام.
* تيري ل. برايس مدير مشارك لمعهد غاري إل ماكدويل في كلية جيبسون لدراسات القيادة بجامعة ريتشموند.