بالمختصر: خلف الكواليس... حيث تُصنع الخدمة قبل أن تصل إليك
لست من المدّاحين، ولا ممن يسرفون في توزيع عبارات الإطراء كيفما اتفق، فالثناء إذا فُقد صدقه صار مجاملة فارغة. لكن حين يكون التغيير ملموساً، والفرق واضحاً، والخدمة أيسر وأسرع، فإن الصمت يصبح بخلاً، وكلمة الحق تصبح أمانة. أتذكر جيداً كيف كان الأمر في الماضي القريب: بيع سيارة أو تحويل ملكيتها كان يعني الدخول في سباق طويل مع المواعيد، ومشوار مرهق بين المكاتب، وتوقيعات لا تنتهي، وأختام تتنقل معها من نافذة إلى أخرى، وربما أياماً من الانتظار. كانت العملية في ظاهرها إجراءً روتينياً، لكنها في حقيقتها اختبار لصبر المواطن ووقته. ثم جاء القرار الذي كان نقطة تحول: افتتاح مراكز الخدمة في المناطق السكنية على يد وزير الداخلية السابق الشيخ محمد الخالد.
لم يكن الأمر مجرد مبانٍ جديدة أو مكاتب أقرب، بل كان بداية فلسفة مختلفة في تقديم الخدمة. فلسفة تقوم على احترام وقت المواطن، وتبسيط الإجراءات، والاستفادة من التقنية الحديثة، وتدريب الكوادر على أن تكون الخدمة تجربة مريحة وليست عبئاً. اليوم، وجدت نفسي أمام مشهد لم أعهده من قبل: أبيع سيارتي وأحوّل ملكيتها في ثلاث دقائق فقط، عبر برنامج ذكي سهل الاستخدام، لا يحتاج أكثر من ضغطة إصبع سبابة، فتتم العملية في لحظات. ما كان يستنزف أياماً من عمري، صار يتم في وقت أقرب إلى لحظة ارتشاف فنجان قهوة. لكن ما يراه المواطن في هذه الواجهة السلسة، ليس إلا القمة الظاهرة من جبل جهد ضخم، يقف وراءه رجال ونساء يعملون بصمت خلف الكواليس. مهندسو برمجيات، ومطورو أنظمة، وفنيون، وإداريون، ومشرفون، كلهم يسهرون على أن تكون الخدمة أمامك في أبهى صورة. هؤلاء لا تظهر أسماؤهم في الأخبار، ولا تُلتقط لهم الصور في نشرات المساء، لكنهم أبطال هذا التحول. إن ما تحقق حتى الآن ليس إلا بداية الطريق. المستقبل قد يحمل لنا ما هو أوسع إذا استثمرنا التقنية في مجالات أعمق، وعلى رأسها البيانات البيومترية: بصمة الإصبع، ومسح الوجه، وبصمة العين. تخيل أن هذه المعطيات تصبح مفاتيحك لكل خدمة، فلا بطاقة هوية تُبرز، ولا بطاقة صراف تُدخل، ولا كلمة مرور تحفظها أو تنساها. بضغطة إصبع أو لمحة عين، تُنجز معاملتك البنكية، وتفتح أبواب المطارات، وتُدخل سيارتك إلى المواقف، وتشغّل هاتفك وتفتح تطبيقاتك... بلا عناء ولا قلق من سرقة بياناتك. إننا حين نتحدث عن هذه الرؤية، فنحن لا نبالغ ولا نحلم حلماً بعيداً، بل نصف خطوات قادمة بدأت ملامحها تظهر في دول عدة، وباتت ممكنة تقنياً وأمنياً. ويبقى السؤال: هل نملك الشجاعة والرؤية الكافية لنسبق الآخرين، كما سبقنا في تحويل دقائق من المعاناة إلى ثوانٍ من الراحة؟ إلى كل يد ساهمت في هذا الإنجاز... شكراً. وإلى كل عقل فكر، وكل عين سهرت، وكل مسؤول اتخذ قراراً صائباً، وكل موظف أخلص، وكل مبرمج كتب سطراً من الشيفرة ليجعل حياتنا أسهل... شكراً. فأنتم من يصنع الفرق، وأنتم من يكتب فصلاً جديداً في قصة خدمة المواطن. ولمن يجلس خلف الكواليس... نعرف أنكم هناك، حتى وإن لم نركم، ونشعر بثمار جهدكم في كل معاملة نُنجزها بيسر، وفي كل دقيقة نربحها من أعمارنا دمتم بود.