كمشة عدس

نشر في 17-08-2025
آخر تحديث 16-08-2025 | 18:19
 مظفّر عبدالله

أول العمود:

فقدنا السياسي البارز أحمد النفيسي برحيله عن الدنيا الأسبوع الفائت... رد الجميل لهذه القامة في كتابة وتوثيق عمله البرلماني والصحافي والسياسي في كتاب... فمن لهذه المهمة؟

***

رمزية زجاجات حبات العدس التي انطلقت من شواطئ مصر، أملاً في وصولها إلى شواطئ غزة المكلومة فكرة خلاقة وملهمة وذات مغازٍ فاضحة لحالة العجز الذي يعيشه العالم، والتآمر الذي يساهم فيه جزؤه «المتحضر»!

ورغم اللغط الذي رافق صدقية وصول تلك الزجاجات التي حملت العدس والحليب المجفف والسكر بفعل تيار البحر إلى غزة فإن الخيال الواسع الذي رسمته في مخيلة الناس كان مزلزلاً، بدءاً من الدول العربية وصولاً إلى دول العالم الأخرى حيث يأكل الناس وجباتهم الثلاث.

«كمشة العدس» بيد فلسطيني كما سبيكة الذهب في يد مُعدم، سيشعر بالسعادة فور إمساكه بالقنينة ليتناول بعض حباتها يابسة اتقاء الموت، وربما صنع منها حساءً أو أكلها بعد غليها بماء قذر... هل تخيلنا كل هذا الترف عند خيارات الفلسطيني؟!

هل تعرض أحدنا لأي ظرف حُرم فيه الطعام بسبب توهان في صحراء شاسعة أو في بحر عريض فوجد من يقدم له طعاماً؟! هذا بالضبط ما يحدث للإنسان في غزة حين يحصل على حبات عدس أو حليب مجفف في زجاجة تائهة في البحر.

يا لها من فكرة خلاقة وتعبيرية بامتياز، اخترقت قوانين كبت الحريات التي صيغت بإحكام لتجريم التظاهر من أجل فلسطين، فالزجاجة ألقيت في البحر دون تصوير أو إعلان إغاثي، طفت عبر الموج لتصل إلى شاطئ غزة فتلقفها فلسطيني جائع فرحاً بوجبة لا تكفي جوف عصفور.

عدس الزجاجة ليس كمثله شيء، ففي فم الفلسطيني سيكون مختلفاً، اللذة والمضغ والهضم ستكون في لمح البصر، على عكس العدس في معدة أي إنسان خارج غزة حيث يحتاج إلى ساعتين أو أكثر ليشعر بهضمه تماماً.

مخيفة هذه المعدة الخاوية، المذلولة بالحاجة واللهاث على صناديق الإغاثة التي تهبط بالباراشوتات لتقتل أطفالاً ونساء في خيامهم... معدة تطحن حاملها طحناً، وتجعله مجنوناً، مسعوراً، عدوانياً، ومكسوراً.

طوبى للبشرية ما يحدث في غزة! وتحية لكل ما بناه الإنسان من أنظمة وقوانين ومنظمات سعت للتخفيف من معاناة البشر في عالم مجنون... فلقد فضحت غزة شرف البشرية المزعوم.

back to top