وجهة نظر: علاج الضغط بالنكتة
كنت قد قرأت أن الأطباء المسلمين القدامى كانوا يعالجون مرضاهم بالأضداد، الحار بضده، والمر بمغايره، والمالح بعكسه، ولأنهم لم يعايشوا أمراض هذا العصر من غضب يرفع السكر أو هموم تقود إلى ارتفاع الضغط، فإنهم لم يصفوا مثل هذه الأمراض أو يبتكروا لها الأدوية، ولو كان مرض السكري منتشراً في زمنهم لربما عالجوه بالقهوة التركية أو الإسبريسو أو ربما القهوة الشمالية، وعالجوا الضغط مثلاً بمسرحيات أحمد العونان.
وقد استغنى مظهر أبوالنجا في مسرحية الفهلوي عن أدوية الضغط بالنكت، فكان كلما (عصّب) هدأت أعصابه بنكتة «واحد طلع للمعاش معرفش ينزل»، وأذكر أيام عملي في الرقابة على محطات الوقود كيف كان بعض مديري المحطات «يطلعوا للمعاش ولا يعرفوا ينزلوا» فتتحول زياراتي للمحطات من رقابة على جودة الأداء إلى حكايات ترفع الضغط وهموم تبحث عن (هديب)، ولو كنت ما زلت في نفس عملي إلى اليوم لربما أكون شاهداً على عدد كبير من الذين «طلعوا للمعاش ولم ينزلوا أبداً».
ولأننا الآن بلا مجلس أمة ودواويننا انتقلت إلى تحليل الشأن الخارجي، خصوصاً أن الأحداث الإقليمية كبيرة والأيام حبلى، ورغم أنني من النادر أن أكون قد خرجت بفائدة من النقاشات الدواوينية التي كانت تهتم بالشأن المحلي، فإن تلك النقاشات كانت أكثر عمقاً من نقاشات الشؤون الإقليمية هذه الأيام، فنقاشات اليوم في الغالب لا تتجاوز رأي الفراش في إدارة المرحوم عبدالحسين عبدالرضا بمسرحية باي باي عرب «مال أمريكا غلطان على مال ليبيا»، وهي تحليلات تحمل في داخلها مرض ضغط الدم وعلاجه بالنكت في الوقت نفسه.
لكن مسألة علاج الضغط بالنكتة لم تعد مجدية، ليس لأن جميع النكت أصبحت (بايخة)، بل لأن مستويات ضغط الدم قد خرجت عن السيطرة لا بالنكت ولا بالأدوية ولا بالاثنتين معاً، حتى أن هذه الأمراض أصبحت تعالج نفسها بنفسها على طريقة الأفلام العربية حين يصاب أحدهم بصدمة شديدة نتيجة الحزن الشديد فيبكي تدريجياً بهدوء يتحول إلى قوة تصاعدية، ثم يتوقف عن البكاء فيتحول تدريجياً إلى ضحك هادئ يتصاعد تدريجياً حتى يبلغ الهستيريا فيكون قد عالج نفسه بنفسه دون تدخل طبيب أو استعمال (نكتة).
نحن في زمن علاج الشيء بذات الشيء، علاج الحزن بمزيد من الحزن، والهموم بمزيد منها، والضغط بمزيد منه، فالفكرة أن اللامبالاة بالمرض تؤدي حتماً إلى اختفائه من ذاكرة المريض سواء بقي هذا المرض أو اختفى، فكثرة الهموم اليوم تتسبب في كثرة الأمراض، والأولى إزالة الهموم بـ «تطنيشها» لتقليل الأمراض ورفع قدرة الجسد في مقاومتها أو تحملها إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.