نهاية مسرحة المناهج: تحوُّلات تعليمية في التجارب العالمية
يُعد التعليم الركيزة الأساسية لنهضة المُجتمعات، ومحركاً رئيساً لتقدُّمها. وعلى مر العقود، ظهرت أفكار ومقاربات متعددة لتطوير العملية التعليمية، كان من أبرزها ما عُرف بـ «مسرحة المناهج»، وهي فكرة لاقت رواجاً كبيراً في الأوساط التربوية والفنية، خصوصاً في البلدان العربية، حيث اعتُبرت اتجاهاً تجديدياً يُسهم في تبسيط المواد الدراسية، وجعلها أكثر جذباً للطلبة.
لكن هذه الفكرة، مع مرور الوقت، بدأت تفقد بريقها، إذ لم تعد وحدها قادرة على مواكبة التحوُّلات السريعة في أساليب التعليم، خصوصاً مع ظهور التكنولوجيا الحديثة، وانتشار التفكير النقدي، واعتماد التعليم القائم على المشاريع. ومع تطوُّر التجارب العالمية، برزت نماذج جديدة تجاوزت مسرحة المناهج، لتقدم بدائل أكثر شمولاً وفاعلية.
في بريطانيا، تحوَّل التركيز من مسرحة المناهج المباشرة إلى التعلم القائم على المشاريع، حيث يتم تشجيع الطلبة على الانخراط في مبادرات تحاكي الواقع، وتدمج بين الفنون والعلوم والتقنية. مبادرات، مثل برنامج «Creative Partnerships»، حافظت على حضور الفنون في التعليم، لكنها لم تحصر الأمر في مسرحة المناهج، بل وسَّعت الإطار، ليشمل التفكير التصميمي، والعمل الجماعي، وحل المشكلات باستخدام الوسائط المتعددة.
أما في الولايات المتحدة، فقد اتخذ التعليم منحى أكثر شمولاً عبر منظومة «STEAM»، التي تمزج بين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات. لم تَعُد مسرحة المناهج هي المحور الوحيد، بل أصبحت جزءاً من مشروعٍ أوسع يربط الإبداع الفني بالمنطق العلمي، ويُتيح للطلاب إنتاج أعمال تجمع بين الجانبين.
وفي فرنسا، تحوَّل الاهتمام من مسرحة المناهج إلى الحوار الفلسفي، عبر ورش «Atelier Philo» التي تدرِّب الطلاب على النقاشات المفتوحة، والتعبير عن الرأي، ومناقشة قضايا فلسفية واجتماعية، بما ينمِّي مهارات التفكير النقدي والتحليل الذاتي لديهم.
أما كوريا الجنوبية، فقد قفزت خطوةً أبعد نحو المستقبل، متجاوزةً مسرحة المناهج إلى التعليم المقلوب والفصول الذكية، مع توظيف تقنيات ثلاثية الأبعاد، والمحاكاة، والذكاء الاصطناعي في تدريس المفاهيم العلمية واللغوية. لم يعد الطالب هناك مُتلقياً للمعلومة فحسب، بل أصبح مُنتجاً للمعرفة، وقادراً على مواكبة متطلبات عالم سريع التغيُّر.
الخلاصة:
اليوم، يمكن القول إن مسرحة المناهج كانت خطوةً مهمةً في مسار التجديد التربوي، لكنها لم تَعُد تحتل موقعها السابق. فقد تحوَّلت إلى عنصرٍ ثانوي ضمن منظومة تعليمية أكثر تطوراً وتنوعاً، تضع في صدارة أهدافها تنمية مهارات التفكير، والابتكار، والتحليل، بدلاً من الاكتفاء بالأداء التمثيلي وحده.