الكويت في سلم الحضارة المعمارية (2)
الحضارة الإسلامية هي النسق الحضاري، وتحتوي على أنماط معمارية متعددة، مثل: النمط الأندلسي، والعباسي، وغيرهما، ومنها نمط الجزيرة العربية، الذي يندرج تحته الطراز النجدي، والطراز الأحسائي، والطراز الحجازي، وغيرها من الطُّرز، ومنها الطراز الساحلي (الشرقي) للجزيرة العربية، والذي تندرج تحته أساليب معمارية متنوعة، مثل: الأسلوب الكويتي في العمارة، وأسلوب المنطقة الشرقية السعودية في العمارة، والأسلوب البحريني، وغيرها، حتى نصل إلى أدنى هذا التقسيم نحو وصف العناصر المعمارية، كالفروقات البسيطة بين الباب التراثي الكويتي، والباب التراثي البحريني، وهكذا.
أحياناً تتداخل هذه الأفكار في مرحلة الأسلوب المعماري، لكونها مرحلة لم تنضج بعد، فيتم تصنيفها إلى طراز، فالأسلوب المعماري الكويتي تداخل مع عناصر معمارية كثيرة، مثل تداخله مع الطراز النجدي من حيث التشابه في تقسيم ووجود عناصر البيت العربي القديم، إضافة إلى وجود بعض الزخارف والنقوش المشتركة. كما تداخل أيضاً مع الطراز الإحسائي، وهذا ما نقله لنا الرحالة السوري مرتضى بن علوان عندما مرَّ على الكويت عام 1709م، ووصف العمارة الكويتية بأنها تشبه العمارة الإحسائية بحصونها وأبراجها.
نحن اليوم نطمح إلى أن نرتقي بالكويت، لتصنيفها علمياً ضمن درجة «الطراز»، فيصح لنا وقتها أن نُطلق عليها «الطراز المعماري الكويتي».
وأرى من وجهة نظري، أن التراث المعماري الكويتي زاخر، ويستحق تصنيفه تحت هذه الدرجة، فهناك الكثير من الملامح والأساليب الفنية التي لا تجدها بالعالم، فعلى سبيل المثال «القصر الأحمر»، الواقع بالجهراء، الذي لم ننتبه إليه ذات مرة أنه جمع بين أمرين متناقضين، حتى يمكن تصنيفه تحفة معمارية في غاية التميُّز والجمال، حيث يصح لنا تسميته بالقصر، لما يحتويه من تفاصيل البيت العربي القديم من الداخل، لكنه في الخارج لا يحمل صفة القصر في شكله الخارجي من حيث التسمية، لعدم وجود ملامح الواجهة للقصور العربية القديمة، فهو في الخارج «حصن»، لكونه مربع الشكل، واحتواء زواياه الأربع على أبراج مراقبة عسكرية أشبه ما تكون متطابقة مع أشكال الحصون، لعدم وجود أي ملامح خارجية تفرض علينا أن نُطلق عليه قصراً، لذلك هو حالة فريدة من نوعها، لكونه حصناً من الخارج، وبيتاً عربياً كبيراً (قصراً) نحو طراز القرن التاسع عشر من الداخل. والجمع بين هذين النقيضين جعله مميزاً في معماريات العالم، لذلك أقول: يمكننا أن نصف أنفسنا بالطراز المعماري الكويتي، وهذا هو الطموح والأمل والرسالة التي نسعى إليها، فمثال القصر الأحمر يكفيه أن نضعه في كفة الميزان، فكيف لو فصلنا في باقي الأمثلة الأخرى؟ لذلك، نحن لن نصل إلى هذا الهدف إلا بوجود شرطين أساسيين، هما: تكثيف الجهود وكثرة البحوث الفنية والعلمية المتعلقة بتاريخ العمارة الكويتية. والشرط الثاني، المحافظة على ما تبقى من هذه الأبنية القديمة، بالترميم والتجديد العلمي الصحيح، إضافة إلى التفعيل الثقافي فيها، لتكون نبراساً ومناراً ثقافياً أصيلاً يعبِّر عن مستوى الحالة الحضارية للكويت الراقية ذات التراث المرموق.