أحمد النفيسي... آخر رموز الطليعة وثبات الموقف
رحيل النائب السابق والرمز الوطني أحمد النفيسي لا يمثِّل خسارة شخصية أو سياسية فحسب، بل هو فقدان لجزء من ذاكرة الكويت الوطنية ومسيرتها النضالية الحديثة.
فالنفيسي كان من أولئك الرجال الذين لا يساومون على المبدأ، ولا يتلوَّنون مع تبدُّل الظروف، بل ظل ثابتاً على قناعاته حتى آخر يوم في حياته. ومع رحيله، تُطوى صفحة آخر رموز جيل الطليعة، الذي شكَّل الضمير الوطني للكويت على مدى عقود.
البدايات والانخراط في العمل العام
وُلد أحمد النفيسي في زمن كانت الكويت تشهد تحوُّلات سياسية واجتماعية كبرى. نشأ في بيئة تشرَّبت قِيم الحُرية والكرامة، فكان طبيعياً أن يجد نفسه منذ شبابه في قلب الحِراك الوطني، مدافعاً عن الدستور وعن فكرة الدولة المدنية الحديثة. ومع بروز الحركة الديموقراطية بالكويت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان في الصفوف الأمامية، مُشاركاً في الحوارات الوطنية، ومُتصدياً لمحاولات النَّيل من الحياة البرلمانية.
المسيرة البرلمانية
انتُخب أحمد النفيسي نائباً في مجلس الأمة الكويتي، حيث تميَّز أداؤه بالجرأة في الطرح والوضوح في الموقف. لم يكن من أولئك الذين يختبئون وراء العبارات الفضفاضة، بل كان صريحاً، مباشراً، وواضح الرؤية. مداخلاته البرلمانية وبياناته السياسية كانت شاهدة على صلابته في الدفاع عن الحُريات العامة والحقوق السياسية، ومقاومته لأي محاولة لتقييد إرادة الأمة.
«الطليعة» والمنبر الديمقراطي
إلى جانب نشاطه البرلماني، كان النفيسي أحد مؤسسي جريدة الطليعة، المنبر الصحافي الذي لعب دوراً محورياً في تشكيل الوعي السياسي الحديث في الكويت، وفضح ممارسات الفساد والاستبداد.
كما كان من مؤسسي المنبر الديمقراطي الكويتي، الذي شكَّل إطاراً سياسياً للحركة الديمقراطية، وفتح المجال أمام جيلٍ جديد من الكويتيين للانخراط في العمل الوطني على أُسس فكرية واضحة.
آخر رموز «الطليعة»
مع رحيل النفيسي، يُسدل الستار على جيلٍ كامل من رموز «الطليعة»، ذلك الصف الأول الذي ضم أسماءً، مثل: د. أحمد الخطيب، وعبدالله النيباري، وأحمد الربعي، وسامي المنيس، وعبدالله البعيجاني، وعبدالرزاق خالد الزيد الخالد، وجاسم القطامي، وسليمان أحمد الحداد، وسليمان خالد المطوع، وراشد التوحيد، وعلي عبدالرحمن العمر. جيل جمع بين الصحافة الحُرة، والنضال البرلماني، والعمل السياسي المنظَّم، في زمن كان الدفاع عن الدستور والحُريات مخاطرة حقيقية لا مغامرة شكلية.
النفيسي ظل حتى أيامه الأخيرة شاهداً وفاعلاً في الدفاع عن الدستور، ومقاوماً لمحاولات تقييد الحُريات، حاملاً إرث الطليعة الفكرية والسياسية حتى النهاية دون أن يتنازل أو يهادن.
إرثه وتأثيره
برحيل أحمد النفيسي، تخسر الكويت رجلاً من طرازٍ نادر، سيبقى اسمه محفوراً في ذاكرة الحركة الوطنية. إرثه ليس مجرَّد مواقف سياسية مُدوَّنة في محاضر مجلس الأمة أو صفحات الصُّحف، بل هو مدرسة في الثبات على المبدأ، والالتزام الأخلاقي بالوطن.
سيبقى حاضراً في وجدان كل مَنْ آمن بأن الكويت تستحق حياة سياسية حُرة ونزيهة.
لقد عاش نظيف الكف، رفيع الخلق، شجاع الموقف، ورحل كما عاش... ثابتاً على مبدئه، مخلصاً لوطنه.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)