زبدة الهرج: علامة النصر بلا نصر
كانت تسول لي نفسي منذ فترة أن أعتزل الصحافة، وأقيم حفل تكريم واعتزال ضخما لي، وأدعو كلا من الأمم المتحدة والجامعة العربية لحضور حفل اعتزالي، وأقدم لهم كيكة عليها صورة علامة النصر، ولكني عدلت عن القرار في اللحظات الأخيرة، وألغيت الحفل بعد أن وقعت في حيرة من الذي سيبدأ بقطع الكيكة. هل الأمم المتحدة التي لها مواقف عظيمة تجاه نصرة المظلوم، أم الجامعة العربية التي تجيش الجيوش لإغاثة الملهوف؟
وبمناسبة الحديث عن علامة النصر التي أصبحت ملطشة، فالروايات كثيرة ومثيرة التي تتحدث عن اكتشافها، ولا أعلم صحة مصدرها، وهي ترفع بإصبعي السبابة والوسطى، وعلى شكل رقم ٧ أو الحرف اللاتيني V، وأشهر من رفع علامة النصر هو الراحل ياسر عرفات أبوعمار رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، والذي يبدأ صباحه برفع علامة النصر، وبعد الغداء وقبل العشاء وعند النوم وعند الكارثة، حتى قيل إنه حضر مجلس عزاء، ولما هم بالمغادرة رفع علامة النصر، بل إنه كان يرفع علامة النصر عندما يتفاوض مع الكيان الصهيوني على حل الدولتين قبل الاجتماع، وبعد الانتهاء من الاجتماع بالرغم من أنه لم يحرر شبر أرض محتلة، ولم يقتل جنديا صهيونيا على مدى مسيرته النضالية التي خاضها، ولم يفز بسباق جري إلى درجة أنه رفع علامة النصر تأييدا للغزو العراقي على دولة الكويت، التي كان لها الفضل الكبير عليه وعلى جماعته، فكانت القضية الفلسطينية بالنسبة للكثير من الساسة العرب تجارة مربحة، وهذا ما أدى بالرئيس الراحل أنور السادات إلى أن يصل لقناعة بأن مصلحة بلده وشعبه فوق كل اعتبار، وطز باللي مش عاجبه، فزار إسرائيل عام 1977، ووقع معهم بعد ذلك معاهدة السلام، واعترف بإسرائيل كدولة، وأعاد أراضي مصر المحتلة، ونال جائزة نوبل للسلام، وعلم أن مبدأ الأرض مقابل السلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة هو وهم وخيال في ظل وجود أفواه جائعة.
ثم أما بعد، الشعب الغزي يصرخ بصوت واحد «أنقذونا من شان الله بدنا نعيش»، هذا الشعب الذي يساق حيث يشاء الإسرائيليون وحماس، فالإسرائيليون يتعاملون معهم بسياسة التهجير والتجويع والإبادة، وحماس تطلب منهم الصمود فإما النصر أو الشهادة، فأصبحت حياتهم ما بين عدو يتجهمهم وقريب تملك أمرهم.