إدارة وتنفيذ المشاريع التنموية
بادئ ذي بدء، لا بد أن نؤكد ضرورة التنسيق بين وزارة المالية والأمانة العامة للتخطيط والتنمية فيما يتعلَّق بالمشاريع التنموية والجهات المنفذة.
ومن المتعارف عليه أن الجهات الحكومية عند رغبتها في إنجاز مشروعاتها وأهدافها التنموية خلال فترة إعداد الخطة التنموية، تبدأ بالتحضير لها، من خلال العمل المؤسسي، حيث تتم مخاطبة وزارة المالية، لأخذ موافقتها على هذه المشاريع، ثم أخذ موافقة الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية على إدراجها في خطة التنمية، على أن تخصص لهذه المشاريع ميزانية تغطي الاحتياجات التمويلية اللازمة لتنفيذها.
ووفق الأصول والمبادئ الإدارية والمالية المُتبعة في إعداد المشروعات التنموية، فإنه يتوجب تحديد ميزانية المشروعات مبكراً أثناء إعداد الخطة السنوية، مع تحديد التدفقات النقدية التي يحتاج إليها المشروع بشكلٍ دقيق. وعليه، فإنه لا يتم إدراج أي مشروع بالخطة السنوية من دون أن تُحدَّد له ميزانية كافية للتنفيذ.
وقد كشف تقرير متابعة الخطة السنوية 2024 ـ 2025، والذي نُشر بجريدة السياسة بتاريخ 5/ 8/ 2025 عن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، عن وجود 97 تحدياً مالياً تسبَّبت في عرقلة الكثير من المشاريع التنموية الكبرى، لافتاً إلى أنه تمَّت معالجة 87 في المئة منها.
وأوضح أن التحديات المالية المُشار إليها شكَّلت نحو 13 في المئة من إجمالي 733 تحدياً تكرَّرت بمشروعات الخطة، يأتي في مقدمتها:
1- تأخر وصول الميزانية المخصصة بواقع 31 في المئة.
2- عدم وجود ميزانية بواقع 27 في المئة.
3- عدم كفاية الميزانية بواقع 22 في المئة.
4- تأخر وصول الموافقة على اعتماد زيادة ميزانية المشروع بواقع 13 في المئة.
5- تخفيض الميزانية المخصصة بنسبة 7 في المئة.
وبيَّن أن هناك عدداً من المشروعات تعاني الجهات المنفذة لها تحدياً مالياً أو أكثر في تعاملاتها مع وزارة المالية.
وقد ارتأى التقرير أنه من المناسب ضرورة تحديد ميزانية المشروعات مبكراً أثناء إعداد الخطة السنوية مع تحديد التدفقات النقدية التي يحتاج إليها المشروع بشكلٍ دقيق، وعدم إدراج أي مشروع بالخطة السنوية من دون وجود ميزانية كافية.
وقد كشف التقرير ما حذَّرنا منه في العديد من المقالات السابقة، خصوصاً فيما يتعلَّق بضبابية الرؤية الاستراتيجية للدولة، وعدم وضوح الأهداف الاستراتيجية للخطة التنموية، وتداخل وتشابك مشاريع الخطة التنموية، وسوء قيادة وإدارة الخطة، لا سيما بعد قرار سابق لمجلس الوزراء بتكليف وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار إعادة النظر في هيكلة الجهات والهيئات والمؤسسات الحكومية، حيث حذَّرنا في حينه من أن إسناد هذه المهمة لوزارة المالية فيه انتهاك ومخالفة للعمل المؤسسي وقانون ونظام الخدمة المدنية وتعديلاته، حيث تنص المادة 5 من قانون ونظام الخدمة المدنية لسنة 1979 على تشكيل مجلس للخدمة المدنية، إذ حدَّدت الفقرة 2 منه اختصاصات المجلس، بالنص على «العمل على تطوير التنظيم الإداري للدولة، وإبداء الرأي في تحديد أهداف الوزارات والإدارات العامة واختصاصاتها وتنظيمها وسُبل التنسيق بينها».
كما حذَّرنا في مقال سابق من مغبة تكليف وزارة المالية إعداد الخطة التنموية، حيث إن الإجراء الصحيح هو تكليف الأمانة العامة للتخطيط والتنمية، لأن ذلك من صميم مهامها الرئيسية.
وغني عن البيان أن معظم قرارات وزارة المالية تركِّز على خفض الإنفاق المالي والتكاليف المالية، من دون النظر إلى أهمية وحيوية المشاريع الوطنية الاستراتيجية.
ودمتم سالمين