وجهة نظر: محاكم اقتصادية

نشر في 11-08-2025
آخر تحديث 10-08-2025 | 21:20
No Image Caption

أعلنت الحكومة الكويتية نيتّها إنشاء محكمة اقتصادية متخصصة، في خطوة اعتبرها العديد من المتابعين بداية إصلاح قضائي مهم يهدف إلى مواكبة التحولات الاقتصادية المحلية والدولية، وتعزيز بيئة الاستثمار والأعمال. إلا أن بعض الخبراء القانونيين أبدوا تحفظاتهم، مشيرين إلى أن إنشاء محكمة واحدة فقط لا يحقق الأثر المطلوب، وأنه لا بُد من نظام قضائي اقتصادي متكامل يغطي درجات التقاضي كافة.

وتأتي أهمية إنشاء المحاكم الاقتصادية في إطار تحقيق أهداف رؤية كويت 2035، التي تهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص وجذب الاستثمارات، من خلال تطوير كفاءة البيئة القانونية عبر محاكم متخصصة تتولى القضايا التجارية والمالية والاقتصادية. وسوف تسهم هذه المحاكم في تسريع الفصل بالقضايا، وتوحيد الاجتهادات القضائية في منازعات الشركات، وتعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، إلى جانب مواكبة متطلبات الرؤية الاقتصادية للدولة.

ورغم ما تحمله هذه الخطوة من إيجابيات، فقد حذّر عدد من الخبراء من الاقتصار على محكمة واحدة. ففي مقال نُشر بتاريخ 19 يوليو 2025، أشار د. فواز خالد الخطيب، وهو محام وأستاذ زائر في كلية القانون بالكويت، إلى أن القرار يمثّل خطوة مرحّبا بها، لكنه شدد على ضرورة بناء هيكل قضائي شامل متعدد المسارات يعتمد على تخصص فعلي للقضاة ومعرفة اقتصادية وقانونية.

وفي منتدى «أركان» القانوني الأول (مايو 2025)، أكد المتحدثون، ومنهم المستشار القانوني العام في البنك الأهلي الكويتي، د. نواف الشريعان، أهمية تأسيس النظام القضائي الاقتصادي وفق منهج علمي ومنظم، داعين إلى تجاوز فكرة المحكمة المنفردة نحو بناء منظومة قضائية أوسع تضم خبرات متعددة.

وتتماشى هذه المبادرة مع توصيات البنك الدولي بشأن تبسيط إجراءات التقاضي التجاري لتقليل الوقت والتكاليف، كما يمكن أن تسهم المحاكم الاقتصادية في مكافحة التأخير القضائي الطويل في القضايا المالية والتجارية، خاصة في النزاعات الصغيرة والمتوسطة. وتتمثل النقطة الجوهرية في تشجيع الاستثمار وحماية المستثمرين عبر توفير إطار قضائي متخصص في موضوعات مثل الإفلاس، والتحكيم، والملكية الفكرية، والضرائب، والنزاعات الاقتصادية الأخرى.

وقد بدأت وزارة العدل، بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى وهيئة الفتوى والتشريع وجهات قضائية وتنفيذية أخرى، صياغة قانون لإنشاء هذه المحاكم، في خطوة تعتبر تحولاً جوهرياً في النظام القضائي. ويتوقع أن يشمل اختصاصها قضايا مركّبة مثل الإعسار، والتحكيم، والالتزامات الضريبية، والنزاعات الاستثمارية، مع تبنّي آليات حديثة لإدارة القضايا، بما في ذلك الأنظمة الإلكترونية.

ويظل نجاح المحاكم الاقتصادية مرتبطاً، إلى جانب بنيتها المؤسسية، بكفاءة القضاة وخبراتهم في المجالات التجارية والمالية، بما في ذلك الإفلاس والتحكيم وعمليات السوق.

ولتحقيق ذلك، من الضروري تطوير برامج تدريب متخصصة بشكل مستمر، وربما التعاون مع جامعات ومعاهد قانونية دولية لضمان مواكبة أحدث الممارسات.

وعلى الصعيد الدولي، تقدّم التجارب المقارنة نماذج ملهمة، حيث أنشأت مصر محاكم اقتصادية منذ عام 2008 تشمل درجات تقاضٍ متعددة، بينما تمتلك دولة الإمارات محاكم مالية متخصصة في دبي وأبوظبي، وتعتمد المملكة المتحدة نظام Business and Property Courts، الذي يتميز بالكفاءة والسرعة في الفصل بالقضايا المعقدة.

في الختام، يُعد إنشاء محكمة اقتصادية في الكويت خطوة مرحّبا بها، لكنّها لن تؤتي ثمارها الحقيقية ما لم تُتبع بإجراءات مكملة تؤسس لنظام قضائي اقتصادي متكامل، يعالج القضايا الاقتصادية باحتراف وسرعة وعدالة. فالإصلاح القضائي لا يتحقق بمكان واحد، بل من خلال رؤية شاملة ومتكاملة تدعم أهداف الدولة في التنمية الاقتصادية وتعزيز ثقة المستثمرين.

back to top