الإسلام السياسي وراء مصيبة اليمن!
مَنْ يتابع اليمن أخيراً يُدرك أن الحقائق تتكشَّف، والخبايا تنفضح، وتخرج للعلن كواليس كارثة اليمن، بدءاً بأزمة عام 2011م، مروراً باجتياح الحوثيين لصنعاء، ثم مسلسل الحرب الأهلية التي طال أمدها، وانتهاءً بالوضع الراهن، حيث أصبح اليمن لا دولةً ولا شِبهها، ولا حتى تجمُّعاً قائماً، بل أصبح كنتونات تحكمها أطرافٌ تبحث عن تحقيق المكاسب الشخصية والمطامع الحزبية، أي أن كُل واحدٍ منهم يدَّعي وصلاً بليلى، فيما هي!
والأسباب والمُسبِّبات التي أوصلت البلد إلى هذه الحال كثيرة ومتنوعة، أولها وأبرزها جماعات الإسلام السياسـي، التي تُعد داء اليمن ووجعه المستمر، وهذا الأمر ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج عصورٍ وأزمنة، فقد عانى اليمنيون حُكم الأئمة أكثر من 1200 سنة، كان قوامها وعنانها التشيُّع لآل البيت، ثم جاء الصراع اليمني- العثماني، الذي أجَّج لهيب تلك المعاناة. ليظهر في منتصف القرن العشرين، الإسلام السياسي ذو الجناح السني، مع تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، والتي كانت بصماتها واضحة في قيام الثورة الدستورية عام 1948م – أول ثورةٍ في الوطن العربي– ثم تجذَّر وتعمَّق هذا الجناح أكثر فأكثر في سبعينيات وثمانينيات القرن ذاته، حين تحالف مع النظام الحاكم في شمال البلد لمواجهة المد الشيوعي القادم من جنوبه، وليتوَّج بتأسيس حزب الإصلاح عام 1990م – كواجهةٍ سياسيةٍ لهذا الجناح، مُستغلاً الأرياف، والتعليم، والمساجد كأدوات تعبئةٍ وتهيئةٍ اجتماعية وثقافية لخدمة مشـروعٍ سياسي مُتدثرٍ بلباسٍ ديني.
ومن خلاله، لم يكن يملك مشروعاً سياسياً، بل مارس البراغماتية السياسية المُفرطة، فيتحالف مع هذا، ثم ينقلب عليه، ولنا في تحالفه مع نظام صالح ثم تبنّي الانقلاب والثورة عليه خير مثال، وتحالف مؤقتاً مع الحوثيين– النقيض الآخر لجماعات الإسلام السياسي، ثم انقلب عليهم، أي وفق مقتضى الحال والمزاج، واستخدم مشروع الربيع العربي كرافعةٍ لتمكينه السياسي، ثم وَجَدَ نفسه في مواجهةٍ مع الشعب، بعد أن بانت أهدافه، وتعدَّدت وجوهه، فأصبح حاله «فاشلاً في الحُكم، ناجحاً في الهدم»، وهذا الفشل الذريع يعود إلى كونه لم يقدَّم مشروعاً وطنياً جامعاً، وحينما أُتيحت له الفرصة لحُكم البلد أداره بمنطق الغنيمة، لا الكفاءة، وبمصطلح «هذا معنا، وذاك ضدنا»، وركَّز على استبعاد وإقصاء باقي الشـركاء في الوطن.
قابله تماماً تمدُّد كبير لـ «الحوثيين»، فاندلعت الحرب الأهلية، والتي تجاوزت 10 أعوام، وتغذَّت خلالها الطائفية المقيتة، وتمزَّق النسيج المجتمعي، وبانت الحقائق، فكُل طرفٍ يستند إلى نصوصٍ وتأويلاتٍ فقهية لتبرير مشاريعه، ولسان حالهم قائم على الخُطب والبيانات، وعلى الكُتب والمناهج التعليمية المصبوغة بصبغاتٍ أيديولوجية سنية/ شيعية، بل كلاهما يعتبر نفسه الممثل الشـرعي للإسلام، ويرى الدولة مجرَّد وسيلة لا غاية، وكلاهما مارسَ الإقصاء، وصادر التنوُّع، وألغى الآخر، وكانت مُخرجات هذا الصـراع أن أصبح المدنيون هم الضحايا، والدولة هي الأضحية، واليمن هو الخاسـر الأكبر، فانهارت المؤسسات، وتقسَّمت الدولة، وتحوَّلت إلى دُويلات، وضاعت فُرص التنمية، وتفشَّى الفساد باسم «الزكاة»، و«الخُمس»، و«مشروعي الخلافة والولاية»... وغيرها من المشاريع الهدَّامة، لنُدرك حقيقة أن هذه الجماعات وراء مصيبة اليمن أولاً وأخيراً.
*صحافي يمني