بالقلم الأحمر: وين الأجنبي؟

نشر في 11-08-2025
آخر تحديث 10-08-2025 | 18:31
 الجازي طارق السنافي

منذ بدايات تأسيس دولة الكويت، وحتى أوج ازدهارها، بُنيت المدينة التي بدأت تتلألأ في الخليج على محورين أساسيين: عقلية وطنية برؤية متطورة، وشراكة عالمية، حيث شارك في نهضة الكويت نُخبة من المهندسين، والمعماريين، والفنانين، والمثقفين والإعلاميين والمصممين من شتى دول العالم، - إلى جانب الكويتيين - الذين حملوا في قلوبهم حُب الأرض وحُب التطوير.

كانت الكويت مثالاً لدولة صغيرة بحلمٍ كبير، ضمَّت عقولاً تُدرك معنى أن «العز لا يزدهر بالانغلاق على الذات»، بل بالشراكة، والانفتاح، والرؤية الثاقبة، وحُب التقدُّم.

نعم، كانت دولة صغيرة الحجم، عظيمة الطموح، تستقطب العالم إليها لتنمو. منذ خمسينيات القرن الماضي، استندت الكويت في نهضتها إلى الانفتاح على الخبرات العالمية، فكان حضور الشركات الأجنبية والمكاتب الاستشارية العالمية اختياراً أساسياً في رسم ملامح الدولة الحديثة، ورغم ذلك، فإنها لم تكن يوماً عائقاً أمام الكفاءات الوطنية، بل كانت محفزاً لها، وداعماً لتطورها، حيث كانت تستقطب الأجانب، وتدرِّب المواطن، لاكتساب الخبرات من الأجنبي، وهذا ليس عيباً.

إبان الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، استعانت الكويت بأشهر المعماريين العالميين لتصميم مبانيها ومرافقها الثقافية والحكومية. ولا تزال بصمات المعماري الدنماركي يورن أوتزون بارزة في مبنى مجلس الأمة، ولمسات المصمم المعماري الدنماركي مالين بيجوم تتميَّز على أبراج الكويت، وبصمات المعماري السويدي سوني ليندستورم متوجة على أبراج المياه، وبصمات المهندس المعماري الياباني كينزو تانغه راكزة بتصميمه مطار الكويت الدولي، الذي افتتح عام 1979.

كانت وزارة الإعلام تتعاقد مع خبراء من بريطانيا وفرنسا لتأسيس الإذاعة والتلفزيون الكويتي، مما جعلها رائدة خليجياً. وكذلك بقية المؤسسات وغيرها.

في المقابل، يعاني حاضرنا تراجع هذه الروح المنفتحة، تحت شعارات «توطين الأفكار»، والتي أثبتت فشلها، وأدت إلى إخفاق تنموي وثقافي، حيث تقتصر المشاريع على أفكار مكررة، وطاقات محدودة - لا تخلو من الاجتهاد - لكنها لا تملك أدوات المنافسة العالمية الفعلية.

لسنا بحاجة إلى إقصاء الخبرات الوطنية، بل إلى دمجها ضمن رؤية قصيرة وبعيدة المدى، يكون فيها الانفتاح على الشركات العالمية كنوعٍ من الشراكة لا التبعية، وهنا نقصد التعاون البنَّاء لا الأعمى.

فصناعة السياحة، والترفيه، والإعلام، والفن، تحتاج إلى عقل عالمي، ومنطق تنافسي، وأدوات تفوق المحلية. وهنا يمكن أن نستثمر في بيئة احترافية تستقطب العالم إلينا كما كُنا في السابق.

نحن نعيش في حالة من ملل تكرار نفس البرامج والأفكار والأعمال (لا جديد فيما نقدِّم)، بينما الشارع الكويتي يبحث عن تجربة ثقافية وسياحية وتجارية ترتقي إلى تطلعاته، لا بتكرار ذات العمل تحت اسم وشعار جديدين كل عام. نحن بحاجة إلى الشريك الأجنبي، الشركة الأجنبية، العقل الأجنبي العالمي، فلا يمكن أن نتطوَّر ونحن نفكِّر بنمطٍ محلي فقط.

بالقلم الأحمر: يبقى السؤال، وين الأجنبي؟

back to top