الجامعة في عصر ما بعد التعليم

نشر في 10-08-2025
آخر تحديث 09-08-2025 | 19:45
 وول ستريت جورنال

مع اقتراب العام الدراسي الجديد، يستعد نحو 19 مليون طالب و1.4 مليون عضو هيئة تدريس لبدء الدراسة في الجامعات الأميركية، ولأول مرة منذ عقود، لن أكون من بينهم، بعد مسيرة تدريسية امتدت 28 عاما في أربع جامعات، كنت خلالها أعيش مفارقة الجمع بين كوني صحافيا ممارسا ومؤمنا برسالة التعليم، وفي الوقت نفسه ناقدا لممارسات الوسط الأكاديمي.

كثير من الانتقادات الموجهة للجامعات تركز على تسييسها المفرط، حيث يطغى التوجه الليبرالي بين الأساتذة، مما يعزز الفكر المناهض للمؤسسات. لكن خلف هذا الضجيج، هناك تحولات هادئة وأكثر عمقا تُثير السؤال: هل ما زالت الجامعات مؤسسات للتعليم العالي، أم أصبحت مجرد مصانع لشهادات بلا مضمون؟

عندما كنت طالبا في سبعينيات القرن الماضي في كلية بروكلين، كان أستاذ الفلسفة يصف الجامعة بأنها مدرسة لصقل شخصيات شباب مثقفين قادرين على خوض أي نقاش، لكن هذه الرؤية أصبحت أثرا من الماضي.

اليوم يغادر كثير من الخريجين وهم أقل اكتمالا معرفيا، حتى أن مستوى الثقافة العامة لدى خريج الجامعة يعادل تقريبا مستوى خريج الثانوية في خمسينيات القرن الماضي.

وأظهرت دراسة حديثة أن طلاب الجامعات يفتقرون للمعرفة الأساسية في التربية المدنية، في مفارقة لافتة مع حماسهم للمطالبة بإصلاحات سياسية لا يعرفون أسس النظام الذي يريدون تغييره. حتى جامعة هارفارد تقدّم الآن مقررات في الرياضيات الأساسية للطلاب الجدد لتعويض ضعفهم في الجبر، وإن كانت تتحاشى وصفها بـ «التمهيدية».

أحد أسباب هذا التراجع أن إدارات الجامعات، الساعية لزيادة أعداد المسجلين والحفاظ عليهم، أصبحت تلبي تفضيلات الطلاب في المناهج، فتسعى لتقديم تجربة دراسية «مريحة» أكثر من كونها صارمة أكاديميا. وقد أظهرت الاستطلاعات أن معظم الطلاب الجدد يريدون تعليما «عمليا» يركز على التدريب المهني ومهارات التقنية الحديثة، بدلا من التعليم الليبرالي الشامل.

قبل نصف قرن، كان أحد أهم أهداف الطالب الجامعي «امتلاك فلسفة حياة ذات معنى». أما اليوم، فالهدف هو «الثراء المادي»، وحتى من يقيّمون تجربتهم الجامعية إيجابيا، فإنهم يفعلون ذلك، لأن شهاداتهم ساعدتهم على إيجاد وظائف.

ولتلبية هذه العقلية الجديدة، خففت الجامعات من متطلبات المواد العامة، وأتاحت للطلاب التخرج بحدّ أدنى من المعرفة خارج تخصصاتهم، بل وتزايد الضغط على الأساتذة لمنح درجات مرتفعة، في توجُّه يقترب من فلسفة «الجميع يتخرج». ومع انتشار التعليم عن بُعد عقب جائحة كورونا، أصبح كثير من الطلاب يفضّلون الدراسة من غرفهم على الحضور الفعلي.

لكن إذا تحولت الجامعات إلى مدارس مهنية متقدمة، فكيف يمكن تبرير الرسوم الباهظة التي تُنفق على أساتذة يدرّسون مواد لا علاقة مباشرة لها بالوظائف، مثل الأدب الكلاسيكي، أو الرياضيات المتقدمة، أو الدراسات الثقافية؟

السؤال الجوهري هو: هل يجب أن يكون التعليم الجامعي موجها بالكامل وفق رغبات الطالب، أم أن هناك معارف أساسية ينبغي أن يكتسبها كل خريج، حتى إن لم يرغب بها؟ وإذا لم يكن مستعدا لذلك، فربما لا يكون مؤهلا للدراسة الجامعية من الأساس.

هذه أسئلة معقدة، لكنها تستحق التفكير الجاد قبل إرسال طلب الالتحاق التالي أو دفع قسط الرسوم القادمة.

*ستيف ساليرنو أستاذ سابق للصحافة في جامعة نيفادا - لاس فيغاس

back to top