الكرد في لبنان... يناضلون يميناً ويساراً!
أكراد لبنان الحاليون، يقول د. محمد الصويركي، «ثاني أقلية مسلمة في لبنان بعد الفلسطينيين، وثاني أقلية قومية بعد الأرمن، إذ يُقدَّر عددهم بنحو مئة ألف مواطن، بينهم 20 ألفاً يحملون هوية» (قيد الدرس)، (تاريخ الأكراد في بلاد الشام ومصر 2010، ص 165).
هاجر الكرد إلى لبنان من مناطق تركية، مثل: ماردين، وطور، على مراحل، بسبب ضيق العيش من جانب، وخوفاً من الاضطهاد التركي، الذي أرعبه التحرُّك السياسي للأكراد في كردستان وفشل الثورات الكردية هناك، وبالذات ثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925، وما نتج عنها من تهجير جماعي للأكراد في منطقة ديار بكر. وفي 1930 – 1932 وفدت مجموعات كردية أخرى.
اما الأغلبية من الكرد في لبنان فوفدوا في الأربعينيات، بسبب ما كان يُروَّج عن رخاء العيش في لبنان، والقوانين اللبنانية التي تأثرت بالتنافس الطائفي مع قُدوم الأرمن إلى لبنان، ومنحهم الجنسية اللبنانية بشكلٍ جماعي من حكومة الانتداب الفرنسي، وإعدام مئات الأكراد في إيران بعد سقوط جمهورية مهاباد الكردية هناك. وشهدت سنة 1980 آخر دفعات الهجرة الكردية إلى لبنان، بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال كنعان افرين. ويقول د. الصويركي إن «السُّلطات تعاملت مع الأكراد بشدة وقمع متناهيين». (ص 165)
ويُعدِّد المؤلف أسماء بعض العائلات الكردية المعروفة في لبنان، مثل: عميرات، رمّو، عتريس، محيو، وغيرها. ويُقدَّر عدد أكراد لبنان عام 1983 بحوالي 90 ألف نسمة. ويضيف: «أكثريتهم يعتنقون المذهبي السني، ويتكلمون اللغة الكردية، ولا يزال أكثر من 70 في المئة منهم من دون جنسية، ولا يحملون إلا ورقة هوية (قيد الدرس) تُجدَّد كل سنة». (ص 166)
وتجتمع أكثرية الكرد في ضواحي بيروت وأحيائها، وهناك عائلات قليلة انتقلت إلى عالية، وقلة قليلة إلى بعلبك وصيدا، وقد حمل الأكراد معهم إلى لبنان جذور نزاعاتهم السياسية والحزبية، يقول المؤلف، وتمثلت في حزبين: الحزبي الديموقراطي بزعامة عثمان آغا، وعُرف أتباعه بـ «العثمانكية»، وحزب الشعب الجمهوري، وعُرف بالـ «محمودكية»، غير أن هذه التقسيمات اندثرت، حيث تحل محلها اليوم الحركات الكردية في سورية والعراق.
أما الأكراد الذين نالوا الجنسية اللبنانية، فشكَّلوا «تجمُّع العشائر الكردية»، وأيَّدوا رؤساء الحكومة اللبنانية والبيروتيين سامي الصلح، وصائب سلام، وعبدالله اليافي في انتخابات 1943. وأسس بعض الكرد منظمة كردية سرية، وزعت أول بيان سري عام 1961، تأييداً لثورة الملا مصطفى البارزاني في العراق، وكان جميل محو أسس هذه الجمعية. غير أن الكرد لم يصلوا إلى البرلمان من خلال جميل محو، الذي فشل بسبب عدم إجماع الناخبين الأكراد عليه. ومع عام 1975 كان قد ظهر في لبنان ثلاثة أحزاب كردية انشق أحدها، واتهم محمد محو والده محو جميل بالعمالة للنظام العراقي، وقتل الوالد عام 1982 في اشتباك مع حركة أمل الموالية لسورية، آنذاك، كما أنشأ الكرد أحزاباً يسارية تحالفت مع الحزب الشيوعي اللبناني، وظهرت عام 1982 منظمة كردية سرية باسم اللجان الثورية الكردية، وانخرط المئات من أكراد لبنان في المنظمات الفلسطينية، وقتل منهم الكثير.
أما الحصول على الجنسية، يقول د. الصويركي، فكان عنوان معاناة أكراد لبنان. ويضيف أن 90 في المئة من الأكراد مولودون في لبنان، إلا أن أكثر من ثُلثيهم بقي من دون تجنيس حتى عام 1994.
ونواصل العرض في المقال القادم.