خرافة التنبؤ بالغيب... بين الترويج الإعلامي وخداع العقول

نشر في 10-08-2025
آخر تحديث 09-08-2025 | 19:34
 أ. د. فيصل الشريفي

تتعدَّد أشكال التنبؤات التي تُنسب إلى الغيب، وتتنوَّع مصادرها ومقاصدها، فمنها ما يرتبط بالعقيدة والموروث الديني، كالرؤى الصادقة للأنبياء والصالحين، والتي تُعدُّ من المسلَّمات الإيمانية لدى أتباع الديانات السَّماوية، ولا مجال للتشكيك فيها من منظورٍ عقائدي.

لكن على النقيض، نرى اليوم مَنْ يجعل من العرَّافين والكهنة مرجعاً لمعرفة المستقبل، فيلجأ إليهم من دون وعي أو تمحيص، وهناك مَنْ يقدِّم تحليلات قائمة على استقراء الواقع والمعطيات النفسية والاجتماعية والسياسية، وهذه، ورغم منطقية سرديتها، تبقى ضمن دائرة التوقعات لا الغيبيات، كما أن بعض الجهات تتعمَّد توجيه معلومات ملفقة، تخدم أجندات سياسية أو اقتصادية أو إعلامية.

وفي ظل هذا الخلط، برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة استضافة العرافين ومُفسِّري الأحلام على القنوات الفضائية، بزعم امتلاكهم قُدرات على معرفة المستقبل، والنتيجة: رفع نِسب المشاهدة، من خلال محتوى مثير، لكنه مُفبرك.

يظهر هؤلاء المتنبئون عبر الشاشات أو وسائل التواصل الاجتماعي، مُدَّعين القُدرة على كشف المستقبل، مُستخدمين عبارات فضفاضة وعمومية يمكن أن تنطبق على أي ظرف، فحين يقول أحدهم ستحدث حرائق في أوروبا أو أميركا أو أستراليا عام 2025، فهو لا يتنبأ بشيءٍ جديد، بل يُعيد تكرار ما يحدث سنوياً في تلك الدول، أو حين يتحدَّث عن وفاة رئيس دولة من دون تحديد الاسم، معتمداً على تسريبات صحية، فهو لا يفعل أكثر من استغلال فضول المتابعين. كذلك حين يذكر احتمالية اندلاع ثورة في مكانٍ ما، مُستفيداً من السياق السياسي، فهو لا يتجاوز ما هو متوقع أصلاً.

استمعتُ أخيراً لأحد هؤلاء المتنبئين، تحدَّث عن حربٍ أخرى مُحتملة بين إسرائيل وإيران، وتدخُّل أميركي، وتضرُّر دول عربية من تبعات النزاع، ثم انتقل للحديث عن وفاة شخصية بارزة، كُلها توقعات قابلة للحدوث، لكنه يقدِّمها بعبارات غامضة تُضفي طابعاً من التهويم والغموض، وكأنها «أسرار كونية»، فيما يقوم المذيع بإضافة جُرعة من الدراما والتشويق لتبدو أكثر إثارة.

يمكن تصنيف هؤلاء المنجمين إلى عدة مجاميع، لكن أخطرهم الذين يمثلون جهات خفية تستخدمهم كأدوات لبث رسائل تخدم مصالح وأهدافاً مشوهة.

المشكلة الحقيقية لا تكمن في العرَّافين، بل في أولئك الذين يسلِّمون عقولهم لهم، وهم - ويا للأسف - ليسوا قلائل! ويصدق عليهم القول: «رزق الدجالين على المغفلين»، بل إن بعض الناس يقرأ الصحف فقط ليقرأ برج الحظ، وكأن مصيره ومزاجه مرهونان بكلمات تافهة في زاوية ساذجة.

والأدهى من ذلك، أن بعض مَنْ يُفترض فيهم رجاحة العقل والمنطق، وقعوا ضحية لهذا الإعلام التافه الذي يُروِّج للدجل تحت عناوين جاذبة.

وقبل الختام، لا بأس من الإشارة إلى ما يُشبه نبوءة ساخرة، وهي من عندي:

لربما نشهد خلال هذا العام أو الذي يليه حرباً طائفية بالوكالة تخدم مصالح الكيان الصهيوني، وسيصعد منتخبان عربيان لكأس العالم من ملحق آسيا.

ودمتم سالمين

back to top