أرض العجائب
لطالما عشقت الروايات والقصص منذ الصغر، ونما هذا العشق معي، ولا شك أن التخصص في مجال الأدب الإنكليزي وفروعه في مرحلة البكالوريوس الجامعية كان له الأثر الكبير في ترسيخ شغفي بالروايات العالمية، فهي في كثير من الأحيان تشكل عوالم جميلة مختلفة عن الواقع الذي نحتاج أحيانا أن نهرب منه.
من تلك الروايات التي أحببتها في الصغر رواية «أليس في بلاد العجائب»، للروائي الإنكليزي لويس كارول، وقد قدمت بأغلب اللغات، وتمت معالجتها سينمائيا، وهي باختصار شديد تروي قصة فتاة صغيرة تلهو وتلعب في حديقة جميلة إلى أن يلفت نظرها أرنب أنيق يحمل ساعة كلاسيكية وينظر إليها، وكأنه تأخر على موعد مهم فيجري مسرعا، وتتبعه الفتاة إلى أن يؤدي بها الفضول إلى الوقوع في حفرة ذات عمق كبير، وتدخل في عوالم عجيبة، وتبدأ سلسلة من المغامرات المثيرة.
والموضوعات أو الثيمات التي تدور حولها الرواية تتعلق بشكل أو بآخر بمواضيع الهوية وحب المغامرة والاستكشاف ومعرفة الفرق بين المنطقي وغير المنطقي، وبين الحلم والواقع، وإمكانية التكيف مع مختلف الظروف، وفيها أيضا لمحات من المسائل الرياضية التي تحتاج لفهم وحلول.
استرجعت هذه الرواية مرة أخرى في هذه الأوقات تزامنا مع فعاليات مدينة الألعاب التي يطلق عليها أرض العجائب، التي لها أكثر من نسخة في دول مختلفة، وقد تم تجهيزها في الكويت، هذه المدينة بدأت منذ نحو شهر في استقطاب الجمهور المتعطش للاستمتاع بالترفيه الذي من المفترض أن يكون جزءاً أساسياً من حياة أي مجتمع، وهذا ما تعودناه في أيام الطفولة والصبا، وجيلنا يتذكر جيداً المدينة الترفيهية التي كانت الأكبر في المنطقة والأشبه بمدن الألعاب العالمية، ونتذكر أيضا حديقة الشعب بألعابها المميزة، وكانت أيضا صالة التزلج وغيرها، وكنا نحتار أحيانا في الاختيار للاستمتاع في العطل والإجازات، وبعد الانتهاء من الاختبارات، وأعتقد أن أي شخص من جيلي عاصر تلك الفترة الذهبية يذكر جيدا كم كنا نقضي وقتا جميلا في تلك الأماكن السياحية المتاحة طول العام وللجميع، وبسهولة دون الحاجة لحجز مسبق وتعقيدات كثيرة، وكانت المدارس والجامعات تقوم بتنظيم رحلات ترفيهية لتلك المدن، وما زلت أتذكر رحلة قمنا بها بمرحلة الثانوية العامة، وكانت من أمتع الرحلات الى مدينة الكويت الترفيهية، وأيضا في المرحلة الجامعية أتذكر رحلتنا جيداً مع طالبات دفعتنا، وكانت لحظات لا تنسى من المتعة. أحاول منذ أن افتتحت أرض العجائب أن أحجز التذاكر لأبني لاصطحابه والاستمتاع بالذكريات الجميلة ولم أتمكن إلى هذه اللحظة من فك شفرة وسر صعوبة الحصول على تذاكر للدخول الرسمي، وفي الوقت نفسه أجد أن بعض القنوات غير الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي قد وفرت تذاكر الدخول بأسعار مضاعفة ومختلفة، وأنا لست من أنصار التعامل مع أي قناة غير رسمية، وأرفض التعامل معها.
شد انتباهي هذا الموضوع وبدأت أتساءل: ما الأسباب؟ هل هي فعلا الطاقة الاستيعابية اليومية؟ وما الحل خصوصاً أن أرض العجائب هذه مؤقتة وستتم عملية التفكيك والإزالة خلال أشهر معدودة، ويتساءل ابني ذو ال14 عاماً: هل سنذهب الى مدينة الألعاب تلك؟ ولا أجد ردا سوى آسفة يا ولدي نفدت التذاكر لشهرين قادمين كما هو واضح من الموقع.
تعقدت الأمور في كل مناحي حياتنا وتقشف الترفيه في ديرتنا الحبيبة، وتم اختزاله في حفلات مكررة للأشخاص أنفسهم والأغاني ذاتها والجو العام يغلب عليه اليأس والإحباط من نواح عدة، أهمها الترويح السياحي. نحتاج رؤية بعيدة النظر تهتم بهذا الجانب الذي له بالغ الأثر النفسي والاجتماعي على الأفراد، فكم أود أن أشهد الازدهار في قطاع السياحة الداخلية، خصوصاً أننا نملك الموارد والإمكانات فلمَ التعثر؟ نملك الطاقات ولدينا الشباب المبتكرون وهناك العديد من المشاريع حبيسة الأدراج؟! تماما كشخصية «أليس» في عالمها الجميل أحلم بأن أرى كل ما هو عجيب ومبهر في بلدي الحبيب، أحلم بأن نكون عاصمة السياحة الخليجية! أحلم بمدن ترفيه سياحية بمستوى المدن الكبيرة الموجودة في كثير من الدول! وأحلم بجزرنا الجميلة تتحول إلى مدن سياحية تستقطب الجميع!
لا أريد أن أدخل في نفق «أليس» اللامتناهي من أحلام اليقظة حتى لا أصاب بالمزيد من الإحباط من محاولاتي الفاشلة لفهم الألغاز وحلها، وحتى لا أصاب بالدهشة لعدم إيجاد تفسير منطقي للأسباب التي جعلت البلد يتراجع سياحيا. أليس لنا الحق في أن نشهد عهداً جديداً لبلدنا الحبيب برؤية بعيدة المدى لقطاع السياحة، وأن نرى الكويت وجهة سياحية جاذبة، وأن تكون أرض العجائب بالفعل؟!