رياح وأوتاد: خيار الموت أو الخروج من غزة
يعتقد كثير من الناس أن تسليم سلاح المقاومة وإخراج مقاتليها من غزة سيوقف كارثة الإبادة الجماعية التي تمارسها العصابات الصهيونية، ويحقق لها إعادة البناء والأمان والاستقرار.
ومع الأسف، فإن هذا الاعتقاد موغل في الخطأ، لأن حكومة العصابات الصهيونية رفضت في المفاوضات الأخيرة الإيقاف الدائم لوقف النار، الذي كان أحد المطالب الأساسية لحركة حماس، كما رفضت إعطاء ضمانات تكفل الحفاظ على حدود غزة وحقوق أهلها وأرواحهم، وعلى العكس فقد تسرّب من زعماء الصهاينة أن جيشهم سيحتل غزة بالكامل وسيفرغها من سكانها، خاصة بعد أن أوقفت أميركا بـ «الفيتو» كل قرارات وقف إطلاق للنار التي وافق عليها جميع أعضاء مجلس الأمن، فانطلق الصهاينة فوراً لإكمال الإبادة الجماعية رغماً عن المحكمة الجنائية الدولية، ومضوا في تنفيذ خططهم لإنشاء إسرائيل الكبرى وضمّ مناطق جديدة بعد نجاحهم في ضم القدس والجولان بدعم أميركي مباشر، ضاربين عرض الحائط بكل القوانين الدولية ومقررات حقوق الإنسان، أما ردود الفعل العربية فلم تكن يوماً مؤثرة.
وبناء على هذه المعطيات أخشى - وأسأل الله أن أكون مخطئاً - أن الموت سيحيط بـ «حماس» وجميع أهل غزة إذا سلّموا أسلحتهم، كما أحاط الموت بأهل سيربنتيشا عندما صدّقوا القوات الدولية، وكما فتك الهلاك بأهل بغداد عندما صدّقوا وعود المغول، أو سيقوم الصهاينة بإخراج أهل غزة منها وضمّها إلى إسرائيل، وسيجدون مَن يصدق أن «حماس» هي المسؤولة هذه المرة أيضاً، كما صدقوا أن عملية طوفان الأقصى هي المسؤولة عن الإبادة الجماعية في غزة.
روى البخاري أن الصحابي سلمة بن الأكوع عندما سُئل: «على أي شيء بايعتم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية؟ أجاب: على الموت»، وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم، فأطماع الصهاينة التوراتية لا حدود لها، وشهيتهم لإراقة دماء المسلمين تسري في دينهم، ودعم الأميركان لهم لا سقف له، وضعف العالم العربي ليس لتنازله قرار، ولم يبقَ لأهل غزة إلا مواجهة الموت إذا سلّموا أسلحتهم، أو الخروج منها كما حدث في المذابح السابقة التي اجتاحت حيفا والقدس ويافا وشوشة ودير ياسين، ولذلك فلا يوجد حتى الآن أي ضمان بوقف المذابح أو إفراغ غزة من أهلها إذا تم تسليم السلاح.
أسأل الله مرّة بعد مرّة أن أكون مخطئاً، ولكن كل الإشارات تؤدي إلى هذا التصور، أما دفع العدوان وخيار الجهاد، ولو بالطرق السلمية، فيبقى على عاتق كل المسلمين والعرب، وليس على ظهور أهل غزة وحدهم.