السودان: الحرب المنسية والوحشية

نشر في 04-08-2025
آخر تحديث 03-08-2025 | 18:22
 وول ستريت جورنال

في بلد تمزقه الحروب منذ عقود، من صراع الشمال والجنوب إلى مآسي دارفور، يعيش السودان اليوم واحدة من أكثر الحروب وحشيةً، وأكثرها تجاهلاً من العالم.

منذ اندلاع النزاع في 15 أبريل 2023، بين الجنرال عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تجاوز عدد القتلى 150 ألفاً، والمشردين 12 مليوناً. أرقام تفوق بثلاثة أضعاف ما نشهده في غزة، ومع ذلك، لا احتجاجات في الجامعات الغربية، ولا بيانات من نشطاء المناخ. صمتٌ تام.

في مطار بورتسودان، المُحاصر بالدخان وآثار القصف، يستمر العمل رغم الخطر. الجيش الحكومي أصلح برج المراقبة، بعد أن بدا كفرن حديدي مقطوع الرأس. آثار الحرائق لا تزال سوداء بين خزانات الوقود. ومع ذلك، يواصل الناس حياتهم.

الجنرال البرهان استقبلني في مقر متواضع. تحدَّث عن خذلان الغرب، وعن استعداده لاستئناف اتفاقات إبراهيم مع إسرائيل، إذا توقفت الحرب. نفى علاقته بإيران، رغم حملات التضليل التي تدَّعي العكس. وعندما سألته عن «الانتقال الديموقراطي» المؤجل منذ 2019، قادني إلى كورنيش بورتسودان، حيث احتشد مئات الشباب يهتفون «يحيا السودان». قال: «هنا ديموقراطيتنا!»، وأعلن أن رئيس الوزراء المعيَّن، كمال إدريس، بصدد تشكيل حكومة مدنية بالكامل.

في الخرطوم، المدينة التي كانت تأوي 7 ملايين نسمة، لا تجد إلا نساءً هزيلات في طوابير المعونات التي لا تصل. الخراب يذكِّر بباخموت في أوكرانيا، أو بمقديشو، أو بكمبوديا زمن الخمير الحمر. المتاحف دُمرت، والمكتبات أُحرقت. وكل هذا تحت سطوة الميليشيات.

في أمبدة، قابلت رجالاً يجتمعون حول تلٍّ ترابي: مقبرة جماعية تضم 244 جثة، ضحايا تم إعدامهم في الشوارع. بعضهم أظهر آثار تعذيب: سوط، زجاجة بلاستيكية منصهرة، عضات كلاب. ثم صلوا في صمت.

وفي عيادة متواضعة، كشفت الطبيبة نانا طاهر شهادات ضحايا الاغتصاب الجماعي: أمهات أمام بناتهن، وبنات أمام أمهاتهن. نساء أُخذن إلى مراكز تعذيب واغتُصبن حتى الجنون. بعضهن يسعين للإجهاض، خشية العار أو فقدان الزوج. وأُخريات يتشبثن بالأمل.

وفي إحدى القرى غرب الخرطوم، التقيت شاباً في السابعة عشرة، أُجبر على اغتصاب 24 امرأة، بعد تخديره بحبوب الكبتاغون والمنشطات. لم يعد إنساناً، بل شاهداً على الجحيم.

الجيش السوداني، رغم كل شيء، يقاوم. زُرت قاعدة خاصة قُرب الفاشر يقودها الجنرال حافظ التاج. هناك، وحدات كوماندوز مدرَّبة على قتال الإرهاب، تواجه ميليشيات حميدتي، المدعومة من المتطرفين الهاربين من السجون، والمتصلين بجماعات في الساحل.

المشهد الأكثر رمزية كان في معسكر صغير قُرب خط الجبهة، حيث اجتمع جنود حكوميون مع متمردين سابقين من دارفور، كأنهم أبناء وطن واحد نهض من تحت الرماد. في لحظة واحدة، تصالح سودانان في وجه عدو لا يعرف سوى الأرض المحروقة.

عُدت إلى فرنسا، أحمل في ذهني صدى هذا الشعب الصامد، وهذا الوطن المغدور.

الصمت تجاه السودان عار. وفتح العيون، واجب.

* ترجمه عن «الفرنسية» إميلي هاميلتون

في بلد تمزقه الحروب منذ عقود، من صراع الشمال والجنوب إلى مآسي دارفور، يعيش السودان اليوم واحدة من أكثر الحروب وحشيةً، وأكثرها تجاهلاً من العالم.

منذ اندلاع النزاع في 15 أبريل 2023، بين الجنرال عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تجاوز عدد القتلى 150 ألفاً، والمشردين 12 مليوناً. أرقام تفوق بثلاثة أضعاف ما نشهده في غزة، ومع ذلك، لا احتجاجات في الجامعات الغربية، ولا بيانات من نشطاء المناخ. صمتٌ تام.

في مطار بورتسودان، المُحاصر بالدخان وآثار القصف، يستمر العمل رغم الخطر. الجيش الحكومي أصلح برج المراقبة، بعد أن بدا كفرن حديدي مقطوع الرأس. آثار الحرائق لا تزال سوداء بين خزانات الوقود. ومع ذلك، يواصل الناس حياتهم.

الجنرال البرهان استقبلني في مقر متواضع. تحدَّث عن خذلان الغرب، وعن استعداده لاستئناف اتفاقات إبراهيم مع إسرائيل، إذا توقفت الحرب. نفى علاقته بإيران، رغم حملات التضليل التي تدَّعي العكس. وعندما سألته عن «الانتقال الديموقراطي» المؤجل منذ 2019، قادني إلى كورنيش بورتسودان، حيث احتشد مئات الشباب يهتفون «يحيا السودان». قال: «هنا ديموقراطيتنا!»، وأعلن أن رئيس الوزراء المعيَّن، كمال إدريس، بصدد تشكيل حكومة مدنية بالكامل.

في الخرطوم، المدينة التي كانت تأوي 7 ملايين نسمة، لا تجد إلا نساءً هزيلات في طوابير المعونات التي لا تصل. الخراب يذكِّر بباخموت في أوكرانيا، أو بمقديشو، أو بكمبوديا زمن الخمير الحمر. المتاحف دُمرت، والمكتبات أُحرقت. وكل هذا تحت سطوة الميليشيات.

في أمبدة، قابلت رجالاً يجتمعون حول تلٍّ ترابي: مقبرة جماعية تضم 244 جثة، ضحايا تم إعدامهم في الشوارع. بعضهم أظهر آثار تعذيب: سوط، زجاجة بلاستيكية منصهرة، عضات كلاب. ثم صلوا في صمت.

وفي عيادة متواضعة، كشفت الطبيبة نانا طاهر شهادات ضحايا الاغتصاب الجماعي: أمهات أمام بناتهن، وبنات أمام أمهاتهن. نساء أُخذن إلى مراكز تعذيب واغتُصبن حتى الجنون. بعضهن يسعين للإجهاض، خشية العار أو فقدان الزوج. وأُخريات يتشبثن بالأمل.

وفي إحدى القرى غرب الخرطوم، التقيت شاباً في السابعة عشرة، أُجبر على اغتصاب 24 امرأة، بعد تخديره بحبوب الكبتاغون والمنشطات. لم يعد إنساناً، بل شاهداً على الجحيم.

الجيش السوداني، رغم كل شيء، يقاوم. زُرت قاعدة خاصة قُرب الفاشر يقودها الجنرال حافظ التاج. هناك، وحدات كوماندوز مدرَّبة على قتال الإرهاب، تواجه ميليشيات حميدتي، المدعومة من المتطرفين الهاربين من السجون، والمتصلين بجماعات في الساحل.

المشهد الأكثر رمزية كان في معسكر صغير قُرب خط الجبهة، حيث اجتمع جنود حكوميون مع متمردين سابقين من دارفور، كأنهم أبناء وطن واحد نهض من تحت الرماد. في لحظة واحدة، تصالح سودانان في وجه عدو لا يعرف سوى الأرض المحروقة.

عُدت إلى فرنسا، أحمل في ذهني صدى هذا الشعب الصامد، وهذا الوطن المغدور.

الصمت تجاه السودان عار. وفتح العيون، واجب.

* ترجمه عن «الفرنسية» إميلي هاميلتون

* برنار - هنري ليفي

back to top