نقطة: هذا الوقت سوف يمضي...
قبل خمسة وثلاثين عاماً بالكمال والتمام، كانت القوات العراقية تتحرك لاستكمال غزوها للكويت، ولأن صدام حسين كان يتميز بالحماقة الثورية، فإنه اعتاد اتخاذ القرارات المصيرية، ثم النظر لاحقاً في النتائج والتداعيات، وبعدها البحث عن المخارج والحلول، فعلها مع إيران ولم يتعلّم الدرس، وكررها مع الكويت فكانت الخسارة أفدح عليه وعلى العراق، فمن لا يستوعب ولو قليلاً من دروس التاريخ يكررها بأغلى الأثمان.
فبعد الساعات الأولى للغزو، بدأ بالبحث عن مبررات يواجه بها العالم الذي استفزه بغزوه لهذه الصغيرة الوادعة على ضفاف الخليج، فتارة قصة حقل رميلة وتآمر الخليج عليه، وتارة أخرى قصة ثورة الفتية الذين آمنوا بربهم، ومن ثم مطالبتهم بالوحدة الاندماجية لتعيد الحقوق التاريخية المزعومة للعراق، ولتصبح الكويت المحافظة التاسعة عشرة، أما رفاقه ومستشاروه، فلأنهم بالأساس لم يصدقوا ما وصلوا إليه من مناصب ونفوذ، لكون معظمهم من الجهلة ومتوسطي التعليم وأنصاف الرجال وخريجي السجون ومدارس الإجرام، فقد كانوا يسايرونه في قراراته أياً كانت خشية بطشه وفتكه بهم، أو خسارة نفوذهم ومراكزهم التي لم يحلموا بها في زمن آخر، فآثروا السلامة الشخصية والمصلحة الذاتية على مصلحة ومستقبل بلادهم، لتنتهي بهم الحال لاحقاً مصورين على ورق اللعب وما بين مسجون ومشرّد ومشنوق وطريد كما تعرفون بقية القصة.
أما الشعب الكويتي فقد سطر، في المقابل، قصة أخرى من الشرف والنضال والكرامة في مواجهة المحتل الغاشم الذي لم يتوقع تلاحم وتضامن هذا الشعب الكويتي الصغير بعدده، الكبير بمقاومته في مواجهة العدو بصلابة وعناد وإيمان مطلق بعودة الحق لأصحابه وشرعيته، ولأنهم مؤمنون بالله وبرحمته وعدله، ولأنه سبحانه وتعالى لطيف بعباده، فقد كانوا على يقين تام آنذاك - والصواريخ والطائرات فوق رؤوسهم - بأن هذا الوقت سوف يمضي، وهذا ما حصل وكتبت آخر سطوره على طريق المطلاع وخيمة سفوان، «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ».