أهلاً وسهلاً... ورحم الله الصينيين!

نشر في 03-08-2025
آخر تحديث 02-08-2025 | 19:38
 محمد علي ثامر

لهذا العنوان قصة طريفة في الموروثات اليمنية، فحواها أن امرأة من مدينة صنعاء تزوجت في بداية سبعينيات القرن الماضي برجلٍ من مدينة حجَّة - وتبعد حوالي 125 كيلومتراً عن الأولى- وكانت تشتاق لرؤية أهلها كثيراً، ونظراً لوعورة الطريق لم يكن باستطاعتها زيارتهم، أو باستطاعتهم زيارتها، بين الحين والآخر، ولكن عندما افتتحت طريق (صنعاء – عمران – حجَّة)، التي أنجزها الصينيون كانت أسرتها تزورها، وكانت تلتقيهم فرحةً وتقول: «أهلاً وسهلاً... ورحم الله الصينيين»، أي رحم الله الشهداء الصينيين الذين قضوا نحبهم في شق هذه الطريق الجبلية الوعرة وذات المخاطر الكبيرة.

وقد احتفى كتاب «حصاد وزارة الأشغال العامة خلال عشرين عاماً (1962 – 1982م)» بذكر هذه الطريق، التي أنجز تخطيطها وتنفيذها فريق فني من جمهورية الصين الشعبية، حيث ابتدأ العمل فيها بشهر يناير 1975م، وتم الانتهاء منها في ديسمبر 1981م، وبلغت كلفتها حينذاك 218 مليون ريال يمني، لتعد أحد إنجازات الثورة اليمنية المهمة، فقد ربطت العاصمة صنعاء بمدينة النصر (حجَّة)، وتمَّ شقها عبر مناطق جبلية وعرة وفي غاية الصعوبة.

ويصف هذه الطريق قبل شقها وتعبيدها الأستاذ شائف الحسيني في كتابه «رحلة الشوق والحنين»، بالقول: «كانت الطريق وعرة جداً، وكلما سار بنا (البابور– شاحنة كبيرة) مسافة تزداد وعورتها تباعاً، ويتمثل ذلك في عقباتٍ صاعدة، ومنحدراتٍ خطيرة، فقد كنت أشعر بالخوف والتوتر الشديد من أن ينزلق هذا البابور المتهالك ويودي بنا إلى وادٍ من تلك الوديان السحيقة التي نشاهدها يميناً ويساراً من فوق سطحه، فكانت رحلة مليئة بالمتاعب والعناء والخوف». وحقيقة هذه الطريق المرعبة مازالت حتى بعد تعبيدها مصدر قلقٍ لكل العابرين منها، وتحديداً في منطقة الخُذالي، حيث نُحتت من أصل الجبل.

الجدير بالذكر أن الصينيين كانوا من أوائل الشعوب التي وقفت مع اليمن، حيث تركوا بصماتهم البيضاء في كل محافظاته، وبذلوا عرقهم ودماءهم، وحياتهم أيضاً، لاسيما في مشاريع الطرق – شريان الحياة – وكان أولاها طريق صنعاء – الحديدة، والتي لايزال يطلق عليها اليمنيون «الطريق الصينية»، ويبلغ طولها 231.46 كيلومتراً، وتم تنفيذها ابتداء من نوفمبر 1958م، وافتتحت في يناير 1962م، تحت إشراف وزارة المواصلات الصينية التي بعثت 519 شخصاً على التوالي إلى اليمن لمسح واختيار الخط، ووضعت تصميم الطريق، وبدأت الفرقة الصينية لخبراء الطرق العمل فيها في فبراير 1959م، وكانت هذه الطريق الأولى العامة التي بنتها الصين في منطقة غربي آسيا وشمال إفريقيا.

ومن الصعب نسيان قصص التضحية وحُب العمل، والتحدي والمخاطرة، التي قدَّمها الأصدقاء الصينيون عند إنجازهم هذا المشروع الحيوي، وباستخدام أدواتٍ بدائية وأبسط مُعدات المسح والشق والسفلتة، ليخلد أسماء فنيي وعمال ومهندسي المشروع بأحرفٍ من نور في سجل التاريخ، ولن ينسى اليمنيون استشهاد المهندس العام للمشروع/ تشانغ تسي شيوا أثناء عمله، وهو في سن 39 عاماً، وتم دفنه مع أكثر من 60 شهيداً صينياً في مقبرة الشهداء الصينيين الواقعة في منطقة عصر– إحدى ضواحي العاصمة صنعاء – الذين وافاهم الأجل وهم يؤدون العمل في هذه الطريق، وقد تم عمل نصب تذكاري لذكراهم.

* صحافي يمني

back to top