البديل الاستراتيجي لسلم الرواتب: إصلاح جزئي أم عبء مؤجل؟
يُطرح مشروع البديل الاستراتيجي لسلم الرواتب في الكويت بوصفه أداة لتحقيق عدالة الأجور، خصوصاً بين فئات الوظائف ذات الطابع الإداري والفني المشترك، والتي تنطوي على ذات المخاطر والوظيفية والجهد، لكن من الضروري ألا يُقدَّم هذا المشروع كمجرَّد حلٍ لتقليل كلفة الرواتب أو لمعالجة تفاوت الأجور، من دون الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد المتعلقة بالتنافسية والإبداع وتحسين جودة الخدمات.
ففي الوقت الذي تتأخر الحكومة في عرض المشروع عبر قنوات رسمية وشفافة، تزداد المخاوف، خصوصاً مع ظهور تناقض بين الأهداف المُعلنة وآليات التنفيذ، وغياب خطاب اقتصادي متكامل يُجيب عن أسئلة الموظفين، فتارةً يُقال إن الهدف هو العدالة، وتارةً يُلمّح إلى تخفيض الإنفاق، وفي الحالتين تبقى الشفافية غائبة.
صحيح أن المشروع قد يُساهم في توحيد الرواتب للوظائف المتشابهة، إلا أنه أثار قلق شريحة واسعة من الموظفين الذين يتمتعون بكوادر مالية مميزة، ويخشون المساس بمكتسباتهم، لاسيما في ظل غياب تطمينات رسمية واضحة.
جدير بالذكر، أن المسودة الأولى للمشروع وُضعت في وقت كانت الدولة تتمتع بملاءة مالية جيدة، أما اليوم، فالوضع الاقتصادي أكثر تعقيداً، فيما لم تنعكس مشاريع تنويع مصادر الدخل بشكلٍ ملموس على معيشة المواطنين، بل إن كثيراً من المسارات انتهت إلى تحميلهم أعباءً إضافية، رغم ما يُعلن بأن هذه الخطوات تصبُّ في خانة رفاهية المواطنين.
ورغم اتخاذ الحكومة لعدد من الخطوات الإصلاحية المهمة، كدمج الهيئات المتشابهة، وتحسين الخدمات الرقمية، وتقليص المناصب القيادية، وإعادة هيكلة مُخرجات التعليم، واعتماد أدوات لقياس الأداء والإنتاجية، فإن الدولة لاتزال المسؤول الأول عن التوظيف، وهو ما يزيد الضغط على المالية العامة، ويحد من قدرتها الاستيعابية على استقبال الموظفين الجُدد.
وفي ظل عقلية إدارية أقرب إلى النمط التقليدي، تبدو الحلول دائماً متوقعة ومحدودة الأفق. وعلى النقيض من ذلك، فإن الأنظمة الاقتصادية الحُرة تُقدِّر الإبداع وتكافئ التميز، مع وضع حدٍّ أدنى عادل للأجور يضمن العدالة الاجتماعية والاستقرار المالي، ويزيد من التنافسية والإبداع من دون كبح الطموح أو تقليص فرص التقدُّم المهني.
إن تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي يتطلب وضوحاً في ماهية دور القطاع الخاص، من خلال تبني سياسات تمكينية، لا تنظيمية فقط، ومن خلال تبسيط إجراءات تأسيس المشاريع، وتوفير بيئة تمويل مرنة، وتمكين رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من الدخول والمنافسة في السوق بحُرية، لا من بوابة المجاملة أو التقييد الإداري.
المحصلة:
تفاوت الرواتب ليس عيباً في ذاته، بل قد يكون ميزة إذا وُجِّهت نحو استقطاب الكفاءات وتحفيز المتميزين، وعلى الحكومة أن تبحث عن أدوات ذكية تُحقق الإنصاف من دون أن تقتل الطموح، وأن تعي أن التغيير الحقيقي يبدأ من خلال تمكين الكفاءات، لا مساواتها على حساب سنوات العمل أو العلاقات الاجتماعية.
ودمتم سالمين