أين شيخ الإسلام؟

نشر في 01-08-2025
آخر تحديث 31-07-2025 | 20:19
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

لا أستغرب ظهور فتاوى شرعية تلوم المقاومة الفلسطينية لجهادهم في تحرير أرضهم، فهم موجودون في كل زمان ومكان. ولكن الكارثة عندما تُنقل فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية في «حرمة الجهاد الذي تغلب مفسدته على مصلحته»، وتلصق بهتاناً على ما يجري في فلسطين!

ويبدو أن بعض هؤلاء الصغار لم يقرأوا سيرة الإمام المجاهد ابن تيمية، الذي قال عنه ابن كثير: «كان مجاهد اللسان والسنان».

حين زحف التتار إلى الشام عام 702هـ، بجيش فتّاك لا يقهر، خارت عزائم المسلمين، وارتجفت القلوب وعلا صوت الرعب والهوان... حينئذٍ خرج شيخ الإسلام كالطود الشامخ، يُثبّت الناس، ويقسم بالله أن النصر لآتٍ، فقال له بعض الأمراء: «قل إن شاء الله»، فقال إن شاء الله: «تحقيقاً لا تعليقاً» بثقة المؤمن، فاطمأنت القلوب وسكنت النفوس... ولكن كانت الشبهة آنذاك التي يحتج بها المرجفون والضعفاء: «كيف نقاتل مسلمين، يشهدون ألا إله إلا الله؟!». فرد عليهم الشيخ العالم الذي لا تنطلي عليه حيل الخبثاء: «هؤلاء خوارج العصر... وإذا رأيتموني في ذلك الجانب - أي مع التتار - وعلى رأسي مصحف فاقتلوني»... فتحركت القلوب وثارت النخوة الإسلامية. وكان الشيخ في مقدمة صفوف الجيش، يحمّس الجند، ويذكرهم بفضل الجهاد ليثبت القلوب ويقوي العزائم ويشحذ الهمم، فما رأيكم بمن يقتطع أقوال الشيخ ويضعها في غير سياقها ليُدين المقاومة التي تدافع عن أرضها وكرامتها؟! ذلك الشيخ الذي سافر بنفسه على رأس وفد من العلماء إلى غازان، أعظم طاغية في عصره، ودخل عليه بكل عزّة وشموخ، ولم يُظهر له العطف أو الخضوع، ليطلب منه الكفّ عن قتل المسلمين... هل هذا سيفتي بتسليم القدس؟!

ألم يقرأ هؤلاء رسائل الشيخ في التعامل مع التتار، وكيف كان يرفض بشدة أي صلح يُمكّن العدو من أراضي المسلمين أو يُضعف شوكتهم، ولو كان باسم «الهدنة» أو «الصلح».

وحتى نفرق بين جهاد الطلب وجهاد الدفع، فقد قال الشيخ في [الفتاوى الكبرى 5/ 537 ]: «وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم وبين طلبه في بلاده».

أعزائي القرّاء، إن هذا المقال ليس «للمرجفين»، فهم آخر همي، إنما هو «للمترفين» الذين لم يستطيعوا أن يواجهوا ضعف أنفسهم، ولم يتجرأوا على مصارحتها في كشف خباياها وسبب هوانها، فأخذوا يبحثون عن فتوى «مخدّرة للضمير». فتوى تُبرئ ذمتهم، وتُخلي مسؤوليتهم تجاه ما يحدث في غزّة... فتوى تقلب الموازين، وتجعل الخذلان حكمة واللوم سنة والتخلي عقيدة.

back to top