إعلان ماكرون... هل يصبح أواني مستطرقة؟! *

نشر في 30-07-2025
آخر تحديث 29-07-2025 | 21:22
 د. محمد المقاطع

إعلان ماكرون باعترافه - والمقصود فرنسا طبعاً - بالدولة الفلسطينية، يُعَد القنبلة السياسية الذرّية المدوية التي ستُرى آثارها وتُسمع أصداؤها في شتى بقاع العالم، فكما بدأ الكيان المحتل بوعد بلفور بترتيبات مع الصهاينة عام 1917، ثم توالت الجهود والترتيبات الاستعمارية الحديثة حتى أُقيم الكيان الصهيوني فعلاً عام 1948، وذلك بخطوة لإخلاء اليهود من أوروبا، بسبب كراهية شعوبها لهم، فإن إعلان ماكرون هو المرحلة العملية الأولى لتتويج جهود الفلسطينيين الجادين لإقامة دولتهم من جديد على أرضهم المحتلة والمغتصبة من الكيان الصهيوني.

ويجب أن يُنسب الفضل لأهله، فهذا الإعلان هو ثمرة لجهود حثيثة ومتواصلة للمملكة العربية السعودية لإقناع العديد من الدول، ومنها فرنسا، وتحديداً الرئيس ماكرون، وقد ساندت ذلك جهود قطر المستمرة، ومن خلفهما كل دول مجلس التعاون، وهيأ الأرضية لكل ذلك الصمود البطولي والأسطوري لأهل غزة، بإصرارهم على البقاء في أرضهم، رغم ما واجهوه من طغيان وإبادة وتدمير وقصف وقطع لكل سبل الحياة، تداعت عليهم فيه كل الأمم الاستعمارية والمتعجرفة، لكن كل ذلك تكسّر أمام صخرة الصمود الأسطوري والبقاء في الأرض والتمسك بثلاثة أمور حاسمة هي: المقاومة، والتحرير، أو الموت. وقد فتحوا عليهم الجحيم لإرغامهم على التهجير وترك أرضهم بصنوف متعددة من المحاولات، بالتآمر أحياناً وبالتدمير الكامل والممنهج أحياناً أخرى، والإبادة والقصف المستمر الهمجي في أحيان ثالثة، وبالحصار والتجويع وقطع المساعدات وكل مظاهر الحياة في محاولات أخيرة.

فكان الرد العملي والمدوّي هو الصمود الأسطوري والبقاء بالأرض، الذي تكسرت أمامه كل صنوف الجحيم تلك، بما فيها اللاإنسانية التي وعد بها الرئيس ترامب تحقيقاً لمخطط «صفقة القرن».

ولا يفوتنا التنويه بالموقف القوي الذي وقفته كل من مصر والأردن لإجهاض تهجير أهل غزة، حين رفضتا خروج الفلسطينيين من أرضهم، وتبنّتا فكرة إعادة إعمار القطاع.

وقد لاقى ذلك الصمود الأسطوري، رغم قساوة الجحيم الذي تعيشه غزة وموتها يومياً إما قصفاً وإما جوعاً، مساندة شعبية عالمية ودولية رسمية واسعة ترددت أصداؤها في عواصم تلك الدول وساحاتها العامة، وفي مواجهة الكيان الصهيوني ومسؤوليته ومنعه من دخول دول عديدة وملاحقته قضائياً، وفي منابر أممية، وأروقة محاكم دولية توّجت بمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، التي دانت جرائم الاحتلال وأصدرت أحكاماً أو مذكرات توقيف بحق رؤساء عصاباته السياسيين وعساكره الدمويين.

وها نحن اليوم نشهد الثمرة التي ستقود تحولاً ونهاية قريبة للاحتلال - بإذن الله - وإقامة دولة فلسطينية حرة على أرضها ما قبل عام 1967، خالية من القيود والشروط التي حملها مؤتمر نيويورك، والتي بدأت «بإعلان ماكرون»، وفرنسا دولة كبرى وعضو دائم بمجلس الأمن ومجموعة G7، فهو إعلان له ما بعده، وأعلن وزير خارجيتهم في نيويورك أن قطار الاعتراف انطلق، وتبعه بعد ذلك إعلان كندا باعترافها بدولة فلسطين بالجمعية العامة، وستلحقه قريباً بريطانيا، التي تحاول على استحياء وتردُّد، وكذلك إيطاليا التي تبرّر تلكؤها عن خطوة مماثلة بضرورة وجود الأرض... وهي موجودة، وأوقعت تلك القنبلة السياسية أثرها الفوري، في تعليق ترامب الذي خفّف أثرها، قائلاً إنه «لا قيمة ولا ثِقَل لذلك»، وهو يدرك العكس، ونطق به وزير خارجيته بإعلان أنه يرفض «إعلان ماكرون»، ويعتبره تصرُّفاً متهوراً، بل تكشَّف وقع ذلك على زعماء الكيان الصهيوني، فوجهوا لماكرون أقذع عبارات الهجوم والتنديد والوعيد.

وحسناً فعلت كل من المملكة العربية السعودية وقطر والكويت وعمان والسلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية، بسرعة ترحيبها بـ «إعلان ماكرون»، ولا بُد من دعم ذلك بخطوات عملية وسريعة من بقية الدول العربية والإسلامية، وأن يستمر زخم التأييد والضغط الشعبي والعالمي، والأهم دعم صمود أهل غزة، الذين يعيشون تجويعاً كارثياً ومحاصرة همجية فاشية، ليستمروا بقوتهم وصلابتهم في البقاء بأرضهم ومقاومة الاحتلال، حتى تُقام الدولة الفلسطينية الحرة كاملة السيادة، والتي باتت قريبة، بإذن الله، لإفشال مخطط الشرق الأوسط الجديد وتقسيم الدول العربية بتآمر مكشوف.

* (كُتِب المقال صباح أمس الأول الاثنين)

back to top