بين الرمال والأمواج
لم تكن الكويت يوماً وعبر التاريخ مجرد موقع على خريطة جغرافية، رسمها رحالة من دول الغرب باحثاً عن الموارد وسط المياه الدافئة... إنما ملاذ ومرفأ جاذب للرحلات التجارية، لما تمتعت به من أمن وأمان، ولما تمتع أهل الكويت بصفات الموارد البشرية المهمة متحلين بالسمعة الطيبة وأخلاقيات العمل في التجارة البحرية منذ القدم... تلك السمعة وأخلاقيات العمل التي تستحق التوثيق.. إلى جانب عنصر هام ألا وهو قدرة البحارة على تحمل العواصف الشديدة والأمراض، وقد أمضوا حياتهم في أعماق البحر وظلماته. وتميز النواخذة... وعلى الأخص نواخذة السفن الشراعية... والذين بذلوا الغالي والنفيس في رفع راية الكويت، وضحوا بأنفسهم وأرواحهم... للوصول إلى المراكز التجارية البحرية في الهند وسيلان والسواحل الإفريقية والموانئ المختلفة ومنها جدة وبور سودان وباب المندب وإثيوبيا، محملين التمور والأخشاب... تميزوا باحتراف علوم الملاحة والطرق البحرية بل وقد ذهب البعض إلى تأليف الكتب لتوثيق عبقرية تلك الأذهان التي استندت إلى صفات شخصية ورغبة في اختيار الطريق الوعر المليء بالمخاطر لجلب الرزق... الأمر الذي أضفى هوية للكويت لتصبح نقطة اتصال برية وبحرية لتجارة الترانزيت وسط الممرات المائية والطرق البرية المؤدية إلى المراكز التجارية الهامة.
وهناك نقطة هامة لا يمكن أن نغفلها ونحن نغوص في أعماق مذكرات الرحالة الأجانب ومهارات أهل الكويت البحرية ألا وهي أن المدونين من الرحالة لفتت أنظارهم المحبة المتبادلة بين الحاكم والشعب الأمر الذي باعتقادي يصنف ضمن بند الاستقرار الداخلي للكويت، وبالتالي يساهم في استكمال بناء الميزة الاستراتيجية... وأخيراً وليس آخراً... أتمنى أن يتم إلحاق تاريخ الكويت البحري ضمن المناهج الدراسية بأسلوب متجدد مليء بالدروس والعبر.
شلون فاطمة؟
خالص العزاء لأسرتي الحميضي وبودي الكرام بوفاة السيدة نورية الحميضي... والتي كانت صديقة لوالدتي ورفيقة دربها، فقد زاملتها في صفوف الدراسة والرحلة إلى القاهرة ضمن الدفعة النسائية الأولى 1956، واستمرت الصداقة أثناء مرحلة الشيخوخة، تلك المرحلة التي ينسى ويتناسى فيها الناس بعضهم بعضاً... فيأتيني أسبوعياً صوت خالتي نورية متسائلة: «شلون فاطمة؟ حطوا بالكم عليها»، رحمها الله وثبتها عند السؤال وأسكنها فسيح جناته بإذنه تعالى.