التاريخ السياسي للمنطقة والجامعة الأميركية في بيروت
الأديب والمؤرخ اللبناني جرجي زيدان، الذي قرأنا شيئاً من بعض رواياته، ومرت منذ أسبوع ذكرى وفاته من عام 1914، كانت له عبارات مثل: "هل سمعتم بأمة نالت حريتها وتخلصت من حكومة الاستبداد إلا بالسيف؟!»، ولو تأملها اللبنانيون، في بلد يصادف اليوم ذكرى تحرير المسلمين له من الصليبيين عام 1291، لما عاشوا لعقود خلافات سياسية طاحنة، ولكن السيف الذي تحدث عنه زيدان لم يستخدمه اللبنانيون، بل استخدمه عدوهم اللدود!
زيدان قبل أن يُكمل بالقاهرة بدأ بعض دراسته بجامعة عريقة أُسّست 1866 كان اسمها الكلية السورية البروتستانتية التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأميركية في بيروت عام 1920، التي أسسها دانيل بلس، وسمي الشارع الملاصق لها باسمه لتكريمه، وتعد الأولى بلبنان والشرق الأوسط من حيث الاستدامة والأولى لسنوات بتصنيف «كيو إس»، ومازالت تستطيع أن تضع كثيراً من الشخصيات الكويتية التي درست فيها على قائمة النخبة المثقفة، التي التحقت بها منذ الأربعينيات، شخصيات ذكرنا بعضها في مقال قديم «الميكروجوب... والدولة الهشة»، ونذكر منهم هذه المرة النخب السياسية من سفراء مثل السيد فيصل الغيص، والسيدة نبيلة الملا، وكذلك النخب السياسية من نواب ووزراء مثل محمد جاسم الصقر، ود. أحمد الخطيب، ود. عبدالله النفيسي، والوزير راشد الراشد، ود. عبدالرحمن العوضي، وعبدالله الغانم... ويعذرنا البقيه.
ومن المصادفات أننا عندما أردنا الاطلاع على التاريخ السياسي للخليج العربي وجدنا أن من بين أفضل من تخصص في هذا المجال هو أحد خريجي الجامعة الأميركية في بيروت، التي كانت آنذاك أفضل أكاديمية تنهل منها تاريخ المنطقة، مما زادنا ثقة في طرحه، وهو السيد عادل الزواوي، المعروف بالأمين العام لمجموعة الثمانين، والذي قدم بحثاً مفصلاً شائقاً حقيقةً على مدى خمس حلقات، ببرنامج ديوان الملا، وأجاب عن سؤال طالما وجدناه غامضاً هو: كيف استطاعت مملكة بريطانيا بصغر مساحتها، ضمن أرخبيل يضم إنكلترا وأسكتلندا وويلز، أن تسيطر على العالم وبالأخص منطقتنا؟ فجنباً إلى تطورها العلمي آنذاك أشار الزواوي إلى أمر غاية في الأهمية، يتمثل بالعمق والذكاء السياسي للتاج البريطاني في الهيمنة عن طريق حسن اختيار وتدريب مبعوثيها للمنطقة، فاختارت النخب من المثقفين ممن درسوا التاريخ ومن خريجي أفضل الجامعات، مثل كامبردج وأكسفورد، كما اختارت من النبلاء والطبقة المخملية السياسية ليكونوا قادة وعسكريين فيتدربوا على الجاسوسية، والأهم من ذلك ولاؤهم للتاج البريطاني، ولو تعلم العرب شيئاً منها لحافظوا على دولهم، خصوصاً قادة الجيوش التي انقلبت على حكامها بعد أن استدرجهم الاستعمار، فسقطت بلدانهم في خيانات مازالت تعاني سوء إدارتها ونهب ثرواتها!
ولعلها رسالة لنا أن نختار القيادات في جميع المجالات من النخب والمثقفين من خريجي أفضل الجامعات، ومن جانب آخر، شعرنا نحن بأهمية ما حاولنا القيام لسنوات متتالية في محاربة فساد التعليم والإصرار على جودته.
إنها لمن المفارقة أن نبحث عن تاريخ المنطقة السياسي، فنصل إلى أحد المتخصصين في ذلك، المفكر السيد عادل الزواوي، الذي كان أحد خريجي جامعة النخبة المعروفة بتخصصاتها، ومنها تاريخ المنطقة، وهي «الأميركية» في بيروت.
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.