خور عبدالله... حتى لا يتحول إلى بحر آرال

نشر في 25-07-2025
آخر تحديث 24-07-2025 | 19:39
 بدور المطيري

ثمة أمر غائب في كل ما يُطرح في ملف خور عبدالله من ترسيم حدود وتصعيد سياسي، تابعت كثيراً الأخبار والمواقف، ولم أجد مَن يفتح هذا الملف من زاوية بيئية، رغم أنها زاوية جوهرية لا تقل أهمية عن الجغرافيا والسيادة. البيئة، ببساطة غائبة عن طاولة النقاش.

أنا لن أكتب من منطلق سياسي أو قانوني، بل سأكتب بحكم تخصصي العلمي، وبدافع القلق من صمت طويل تجاه نظام بيئي هش، يتعرض لضغوط متراكمة دون أي رقابة علمية مشتركة إذ إنني أؤمن أن العلم ليس وجهة نظر، بل أمانة، وأن السكوت عن المخاطر القابلة للقياس هو تقصير في حق الأجيال القادمة التي ستسألنا يوماً... مَن كان يعلم... وسكت؟!

خور عبدالله، هذا الخور البحري الضحل الممتد بين الكويت والعراق، ليس مجرد ممر ملاحي أو خط حدودي، بل نظام بيئي دقيق، يُعد جزءاً من المنظومة البيئية الشمالية للخليج العربي. هذه المنطقة تُصنَّف ضمن أكثر الأنظمة البحرية ضحالة وملوحة في العالم، والتبادل المائي فيها منخفض للغاية، مما يجعلها غير قادرة على تصريف التلوث بكفاءة كما تفعل البحار المفتوحة.

ما يفاقم الوضع هو تسارع النشاط البشري على ضفتيه، فالعراق يطور ميناء الفاو، والكويت تمضي في بناء ميناء مبارك الكبير، هذه المشاريع تحمل معها أعمال ردم وتعديلاً في ديناميكية التيارات البحرية، وتشير دراسات هيدرولوجية إلى أن أي تعديل غير مدروس في التيارات قد يؤدي إلى تكوّن مناطق ترسيب مغلقة، وانخفاض مستويات الأكسجين، مما يهدد المواطن البحرية ويصعّب استعادتها لاحقاً.

ورغم هذا الواقع، لا توجد حتى اليوم لجنة علمية بيئية مشتركة بين البلدين تراقب أثر هذه المشاريع، رغم وجود لجان سياسية وقانونية نشطة. إن هذا الغياب ليس ثغرة فنية فقط، بل فرصة ضائعة لحماية مورد طبيعي قادر على أن يكون عامل استقرار بدلاً من نقطة نزاع إضافية.

تجربة العراق مع البيئة خير شاهد على عواقب الإهمال، انخفاض تدفقات دجلة والفرات بنسبة قاربت 40 في المئة، وجفاف الأهوار، وتحول بحيرة ساوة إلى صحراء ملحية، كلها شواهد على أن النظم البيئية تنهار عندما تُترك دون إدارة علمية متكاملة.

ولسنا بحاجة للذهاب بعيداً فما جرى لبحر آرال في آسيا الوسطى رابع أكبر البحار الداخلية، هو مثال صارخ، فقد جفّ بنسبة تجاوزت 90 في المئة بسبب مشاريع زراعية ضخمة افتقرت إلى التنسيق البيئي، والنتيجة كانت كارثة بيئية واجتماعية وصحية امتدت آثارها لأجيال.

في المقابل، هناك نماذج إيجابية تؤكد أن التعاون ممكن، فالسعودية ومصر عملتا على حماية البحر الأحمر ضمن مبادرات مشتركة لحماية الشعاب المرجانية، وأيضاً كوريا الجنوبية واليابان أنشأتا لجنة بيئية علمية مشتركة لمراقبة بحر اليابان، رغم التوترات السياسية، أما ألمانيا وهولندا، فقد نجحتا في تقليل التلوث في بحر الشمال بنسبة تجاوزت 60 في المئة من خلال لجان علمية طويلة الأمد.

لهذا، ما نراه اليوم في خور عبدالله ليس أزمة بل فرصة لتشكيل لجنة علمية بيئية مشتركة، تعمل تحت مظلة محايدة، وتُعنى بجمع البيانات البيئية، وقياس المؤشرات البحرية، وإصدار تقارير شفافة، ووضع بروتوكولات إلزامية قبل تنفيذ أي مشروع بحري جديد. كما أن من الضروري أن تتضمن هذه اللجنة خطة استجابة طارئة مشتركة لأي حادث تلوث أو تسرب نفطي، لأن التعامل الفردي في مثل هذه الكوارث غالباً ما يكون بطيئاً ومتأخراً.

ختاماً البيئة لا تنتظر ولا تسامح مَن يستهين بها وعندما تغضب لا تميّز بين حدود الدول، وما نخسره منها... لا يُعوَّض، والنظرة الحكيمة والمستدامة هي ما تحتاجه.

back to top