الدرهم المغربي... إفريقي

نشر في 25-07-2025
آخر تحديث 24-07-2025 | 19:38
 نايف صنيهيت شرار

تسجل الدراسات الاقتصادية أن مغرب اليوم يعد ثاني مستثمر في إفريقيا بعد دولة جنوب إفريقيا، باستثمارات قفزت من 100 مليون دولار عام 2014 إلى 2.8 مليار عام 2024، وهي استثمارات عملاقة تقودها شركات مغربية كبرى، مثل اتصالات المغرب البنوك الثلاثة، التجاري وفا بنك، وبنك إفريقيا، البنك الشعبي، وهي مؤسسات استثمارية أصبحت منتشرة في أكثر من 20 دولة إفريقية.

ويرتبط الدرهم المغربي بسلّة عملات بلغت نسبة 60 بالمئة لليورو و40 بالمئة للدولار، وهو ما يمنحه استقراراً نسبياً أمام تقلبات السوق المالية العالمية.

وقد حقق المغرب نمواً يفوق التوقعات بنسبة 5 بالمئة أهّلته للنجاح في خفض التضخم بنسبة 66 بالمئة سنة 2022، لتستقرّ عند 1.5 بالمئة فقط مع بداية العام الحالي.

وفي الوقت نفسه بلغ احتياطي المغرب منتصف هذا العام من النقد الأجنبي حوالي 42 مليار دولار، كما حرص على تعزيز علاقاته الاقتصادية والسياسية مع عديد الدول جنوب الصحراء، من أمثال موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينا فاسو، السنغال، وهو ما انعكس إيجاباً على السوق التجارية للمغرب. فموريتانيا مُصَنّفةٌ ثالثةً في ترتيب شركاء المغرب التجاريين، بحجم مبادلات بلغت قيمتها 360 مليون دولار سنوياً، وفتحت مالي أبوابها لاستثمارات مغربية هائلة، وخاصة في قطاع الاتصالات والبنوك.

أما السنغال فتنشط على ترابها أكثر من 70 شركة مغربية تعمل في مجال البناء والطاقة والزراعة، أما النيجر وبوركينا فاسو، فالمغرب شريك محتمل لديها عبر التحالف الساحلي الأطلسي الجديد، وذلك بعد خروج هذه الدول من مجموعة الـ «إيكواس».

وتخشى فرنسا وبعض دول غرب إفريقيا فقدان السيطرة على مصالحها في المنطقة، خاصة مع صعوبة تحرير هذه الدول من نظام الفرنك الإفريقي الذي لا يزال تحت وصاية الخزانة الفرنسية.

ويلوح بالأفق حلم اقتصادي بأن يكون الدرهم المغربي عملة إقليمية تقود غرب إفريقيا نحو الاستقرار والنمو، رغم الكثير من التحديات.

وحري بالذكر أن العاهل المغربي محمد السادس يراهن على انفتاح بلده على قارة إفريقيا، بهدف استثمار الموارد الذاتية للتنمية الشاملة والإقلاع الاقتصادي، وهو الذي أكد في خطاب أديس أبابا يوم الثلاثاء 17 يناير 2017 قائلاً «إن منظورنا للتعاون جنوب - جنوب واضح وثابت، فبلدي يتقاسم ما لديه، دون مباهاة أو تفاخر.

وهكذا وباعتماده على التعاون البناء، سيصبح المغرب، وهو فاعل اقتصادي رائد في إفريقيا، داعماً للتنمية المشتركة»، وهو التوجُّه نفسه الذي خاطب به جلالته أعضاء القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي بالعاصمة الرواندية كيغالي حول منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية يوم 21 مارس 2018، حين قال: «إننا بصدد بناء إفريقيا الغد، التي سيرثها أبناؤنا من بعدنا.

ونحن، إذ نقيم صرحها على أسس اقتصادية متينة، فإنما نسعى بذلك إلى أن تعود خيراتها بالنفع العميم على الشعوب الإفريقية بالدرجة الأولى.

وإذا كنا قد قطعنا أشواطاً مهمة في بناء إفريقيا المستقبل وتأهيلها لتتولى زمام أمورها، فإننا مطالبون أيضاً بقطع أشواط أخرى على نفس الدرب، حتى لا تظل تنميتنا الاقتصادية رهينة أهواء وإرادات خارجية».



وبعودة المغرب إلى البيت الإفريقي بعد غياب طويل فرضته ظروف سياسية خاصة، يكون قد دشّن مساراً تنموياً جديداً يسعى إلى ربط إفريقيا بجذورها العميقة أولاً، ثم انفتاحها على دول ضفّتي المحيط شمالاً وغرباً، بما من شأنه تقوية اقتصاداتها، وتهيئة بُناها التحتية، وتحقيق سيادتها المالية والتجارية.

وفي هذا الصدد قاد المغرب ثورة تنموية كبرى في إفريقيا، عبر إطلاق عدة مشاريع مهيكلة، مثل خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، والمبادرة الأطلسية لتسهيل وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية.

وهي مشاريع من بين أخرى في مجالات الطاقات المتجددة، والزراعة المستدامة، والخدمات المالية والمقاولات العامة، وذلك تعزيزاً للتكامل القاري والتنمية المستدامة.



back to top