إلى متى يا «حماس»؟
أثناء ما كنت أتابع نشرة الأخبار، وفي عز قصف غزة والمجاعة والحصار، جاءتني رسالة من أحد «المثبّطين» مقطع فيديو يقول: لماذا لم تبن «حماس» ملاجئ للمواطنين؟ وتحت المقطع سؤال استفسار! فتساءلت، هل هذا يشمت أم يظن أنه «يجاهد بالسنن»؟!... فقلت له هل هذا سؤال عام جاء مع المقطع أم أنه خاص لي؟ فقال إنه لك، فقلت: وما المناسبة؟! حتى أُنبّهه: «انها ليست تسالي أو متعة جدلية!».
ولا أدري، إن كان يعلم إن أخطر ما نواجهه اليوم أن يتحول السؤال من وسيلةٍ للفهم إلى أداةٍ للتشغيب، ومن أداةٍ للبحث عن الحقيقة إلى خنجرٍ يُطعن به في خاصرة المظلوم، فليست كل الأسئلة شريفة! وقد احترف الإعلام الغربي، بل وبعض الناطقين بلساننا في صناعة أسئلة ظاهرها محايد، وباطنها افتراءٌ يُلبس الضحية ثوب الجلاد.
ثم كتبت له خذ عندك يا «أبا ربيع»: إن غزّة محاصرة منذ أكثر من 15 سنة، وقد منع عنها مواد البناء الأساسية كالحديد والأسمنت، بحجة أنها تُستخدم في «أنفاق المقاومة».
غزة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، مما يجعل توفير الملاجئ للجميع شبه مستحيل! فهل يُسأل المحاصر: «لماذا لا تشيد ملجأً؟!». الاحتلال مجرم حرب، ولا أخلاق له، فهم يتعمّدون قصف المدارس والمستشفيات والمنازل، فلا مكان لمفهوم «الملجأ الآمن؟!».
«حماس» تعمل في ظروف استثنائية تحت حصار غير إنساني يمنع حتى دخول الأدوية والمواد الأساسية، وحماس حركة مقاومة تعمل في هذا الحدود، وليست شركة مقاولات هندسية تبني العمارات والمطارات والملاجئ!
إن السؤال المطروح يفترض أن «حماس» مسؤولة عن حماية المدنيين وحدها، ويتغاضى عن مسؤولية الاحتلال والمجتمع الدولي، فهل «حماس» هي من أغلقت المعابر على المدنيين العزل وشاركت في الإبادة الجماعية؟ أم هو التطبيع والخذلان الذي جرّأ الضّباع على الأسد؟
إن السؤال الحقيقي ليس: «لماذا لم تُبن الملاجئ؟»، بل لماذا تستباح أرض فلسطين أصلاً؟ ولماذا يُقصف المدنيون والأطفال؟! ولماذا نسكت عن كل هذه الوحشية في القتل؟ ولماذا يُفرض الحصار إلى حد المجاعة؟
لابد أن نُعيد ترتيب الأولويات في عقل من يسأل. والرّد الصحيح هو: لماذا لا يعاقَب المحتل على جرائمه، بدلاً من لوم الضحية؟... فهذا سؤال يُحاكم المنطق المغلوط، ويُعيد النقاش إلى موضعه الصحيح، حيث أصل الجريمة هو الاحتلال، لا رد الفعل عليه. و«عقيدة المسلم تلزمه أن يضحّي من أجل استرداد أرضه»، وهذا ما لا ينسجم مع شخصية «أبو ربيع» المتعلّق بالدنيا، المنقاد «للعم سام»، الذي يريد إسلاماً بلا جهاد وبلا تضحيات، وبلا رأسٍ يُرفع!
يا «أبا ربيع» إن اليهود اغتصبوا أرضنا بالحديد والنار والدم، ولن يرجعوها لنا بالسلام والورود و«الجاتوه»... أرجوك افهم.