حلم التنوع الاقتصادي في الكويت
منذ أكثر من نصف قرن، والكويت ترفع شعار «التنويع الاقتصادي». ومع كل أزمة نفط، تتكرر ذات الجملة «يجب ألا نعتمد على النفط وحده»، لكن عند أول انتعاش في أسعار السوق، تختفي الحماسة، وتتوقف العجلة، ويُعاد كل شيء إلى ما كان عليه. سنوات من التردد والبيروقراطية والقرارات المرتبكة أنتجت اقتصاداً هشاً، ريعياً، قائماً على الصرف لا الإنتاج، وعلى التوزيع لا النمو.
ما تمر به الكويت ليس عجزاً مالياً فقط، إنما عجز في رؤية الحكومة، فالدولة تُموّل كل شيء تقريباً: من الرواتب إلى الدعم إلى الخدمات، مقابل قطاع خاص يعيش على المناقصات لا الابتكار، ومجتمع ينتظر الوظيفة الحكومية كحق مكتسب لا كخدمة وطنية. كل محاولات الإصلاح، مثل خصخصة القطاعات، أو فرض ضرائب عادلة، تُواجه إما برفض سياسي، أو تلاعب تشريعي، أو تصعيد شعبي، دون أن تكون هناك سلطة تنفيذية تحسم الخيارات وتُقدّم مشروعاً جامعاً.
وأطلقت الكويت في عام 2017 مشروع «كويت الجديدة 2035» بشعار طموح: تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري إقليمي، لكن بعد مرور أكثر من 7 سنوات، ما تحقق فعلياً محدود جداً، إن لم يكن شكلياً. كثير من مشاريع الرؤية ظلت حبيسة العروض التقديمية، بينما غابت الشفافية عما تم إنجازه، وفُقد الزخم السياسي الداعم. السبب؟ أن الرؤية طُرحت في ظل عقليات مازالت ترى في النفط الضامن الأوحد للأمان. انظر إلى السعودية فقد قلبت رؤية 2030 المعادلة بالكامل، تحوّلات جذرية في الاستثمار والسياحة والصناعة، ومشاريع كبرى مثل نيوم، وتغيير اجتماعي واقتصادي واسع. وانظر إلى الإمارات: دبي وأبوظبي حولتا نفسيهما إلى منصتين عالميتين في التجارة والتكنولوجيا والمال، والاعتماد على النفط أصبح هامشياً مقارنة بدخل السياحة، والخدمات، والطيران، والقطاع المالي.
أما الكويت، ورغم امتلاكها لصندوق سيادي هو من الأكبر في العالم، وإيرادات ضخمة، فقد فشلت في ترجمة الثروة إلى تنمية مستدامة. والطريق إلى التنوع... لا يحتمل المجاملة والتنوع الاقتصادي لا يُبنى بالشعارات، بل بالإصلاحات التي تعيد الحياة للمؤسسات، وبخلق بيئة تنفيذية قادرة على اتخاذ القرار وتنفيذه. وإطلاق يد القطاع الخاص ليقود الاقتصاد، لا ليبقى تابعا لمناقصات الدولة. ونظام ضريبي عادل يحفّز الإنتاج ويحد من الاعتماد على الريع. وإعادة هيكلة الدعم بحيث يُوجّه للطبقات المستحقة دون هدر أو شعبوية. فضلاً عن إصلاح التعليم، لأنه لا اقتصاد متنوع بدون مخرجات بشرية مؤهلة، قادرة على التفكير والتطوير والمنافسة. كلمة أخيرة، التنوع الاقتصادي ليس خياراً... بل ضرورة وجودية.