المطالعة

نشر في 21-07-2025
آخر تحديث 20-07-2025 | 20:03
 بشار محمد خالد خليفوه

هناك مصدر أصيل لتلقي العلم والمعرفة أصبح معدوماً على السطح الثقافي والعلمي في عالمنا العربي، ألا وهو المطالعة، وليس ذلك واضحاً على السطح الثقافي فقط، بل وصل بنا الأمر إلى أن كثيراً من الناس لا يعرف معنى هذه الكلمة وما تحتويه من مجالات يُعمل بها لأجلها.

قديماً كانت هوايات المثقفين القراءة والمطالعة، فلا تنفك هذه الكلمة عن الأخرى، حيث تأتي معها في الغالب، وشرح بعضهم قائلاً إن القراءة للكتب، والمطالعة للمجلات.

وقد أصاب كبد الحقيقة في ذلك، حيث إن مفهوم المطالعة لا يقتصر على المجلات فقط، وفي الحقيقة أن المطالعة بمفهومها اللغوي إذا قلنا «طالعت»، أي رأيت بتفحُّص وتدبّر، ويقول الله عز وجلّ في كتابه «لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا»، (سورة الكهف - 18).

والنظر فيهم هنا ليس نظرة عابرة، إنما هي نظرة تدبّر وتأمل، فدرجة أن تكون قد اطلعت على أمر هي أعلى درجة من أن تكون مجرد قد رأيت أو شاهدت، فالاطلاع هو رؤية أكثر عمقاً، وهو فن، كما أن القراءة فن والكتابة فن آخر.

والأمر لا يصبح فناً إلّا لتنوّعه وتعدُّد طرائقه، فضلاً عن تفاوت الناس في قوة الأداء نحو تطبيقه، حيث تأتي المطالعة على عدة صور وأشكال، مثل: مطالعة الكتب، وهذه يعرفها أصحاب المكتبات الخاصة، فإن هناك طريقة يُقرأ فيها الكتاب على شكل المطالعة في غضون عشر دقائق، حيث يتأمل العنوان، ثم يقرأ الفهرس والمقدمة والخاتمة، ثم ينظر إلى العناوين الرئيسية والفرعية داخل كل فصل، وفي هذه الحالة يكون قد كوّن معرفة كبيرة عن هذا المرجع بطريقة مختلفة ليست بالقراءة، إنما هي بالمطالعة.

كما أن السفر يُعدّ من أقوى المصادر للمطالعة، لما فيه من التعرف على طبائع الشعوب وأشكالها ومعمارها وفنونها، وغيرها من أمور، ثم تأتي بعد ذلك المطالعة في المجلات ووسائل الإعلام ووسائل التواصل، لذلك يوصف المثقف أحياناً أنه بأنه «مطلع»، أي متمرس في بعض الأمور التي شكّلت له صورة ونظرة خاصة لها إن أراد الحديث عنها.

أعتقد أننا مقصرّون في توجيه شعوبنا حول الاهتمام في هذه المسألة، فنحن نلاحظ الكمّ الكبير من الحملات والندوات والمؤتمرات والمنتديات والمحاضرات التي تنادي بالاهتمام بالقراءة فقط، دون المناداة بالمطالعة معها، وبذلك تركوا فراغاً كبيراً لإهمالهم هذا الجانب المهم من وسائل تلقّي المعرفة والثقافة، واليوم صار الاطلاع هو الذي يشكّل ثقافة الناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من غير تهذيب وفلترة، فكانت النتيجة أننا نرى الكثيرين ممن لديهم المعارف النفيسة والثقافات المتنوعة، لكنه لا يعرف كيف يوظّفها، فضلاً عن كونه لا يعرف أيضاً ماذا يريد!

* باحث ومؤرخ ومتخصص في الآثار المعمارية

back to top