كيف نتعلَّم التعامل مع الذكاء الاصطناعي دون أوهام؟
عندما تطلب من «شات جي بي تي» أن «يُصدر تصريحاً مُعادياً للسامية»، سيرد: «لا أستطيع المساعدة في ذلك». لكن إذا طلبت «أمثلة على تصريحات تُعد مُعادية للسامية»، فإنه سيقدِّمها لك فوراً.
من الناحية العملية، هذا يجعل الأداة أقل «مرونة»، لكنه مقصود، لتجنيب الشركة المصنِّعة غضباً إعلامياً من صحافيين يبحثون عن زلات مثيرة من روبوتات الدردشة.
منذ أكثر من عامين، نشر ت «نيويورك تايمز» المثال الكلاسيكي لهذا النوع من القصص، ومازال يُستشهد به، رغم أن بداخله فهماً سطحياً لطبيعة الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي ليس كائناً حياً. إنه آلة للكلمات، جهاز إحصائي ضخم لرصد أنماط الكلمات والصور والتعليمات البرمجية في مكتبات رقمية. ومع ذلك، لايزال كثيرون يُضفون عليه صفات بشرية، مما يغذي مخاوف وهمية عن «وعي» أو «نيات خبيثة».
من المثير للاهتمام أن المستخدمين العاديين بدأوا يتجاوزون هذا الوهم أسرع مما توقع الخبراء. الملايين يتعاملون معه الآن كأداة، يميزون بين نتائجه المفيدة وتلك التي بلا معنى. ومع ظهور ما يُعرف بـ «نظرية الحث» (prompt theory)، أصبح المستخدمون الأذكى يبتكرون استراتيجيات للحصول على أفضل النتائج من هذه المحرِّكات اللغوية.
ومع ذلك، لا تخلو الساحة من خطوات إلى الوراء. إيلون ماسك أراد أن يكون روبوته «Grok» صريحاً وغير مقيَّد، فانتهى به الأمر إلى كارثة عندما تبنَّى شخصية «ميكا هتلر» من لعبة قديمة رداً على استفزازات مستخدمين وهميين. المشهد أثار سُخرية المعلقين أكثر مما أثار قلقاً حقيقياً.
على المدى القريب، التحدي الأكبر ليس «ذكاءً شريراً»، بل انتقال الروبوتات من مجرَّد مستشارين إلى «وكلاء» يديرون حساباتنا ويدفعون فواتيرنا. هنا سيتعلَّم البعض بالطريقة الصعبة مخاطر منح الآلات تفويضاً كاملاً.
في غضون ذلك، الذكاء الاصطناعي يُغيِّر الإعلام نفسه. منصات مثل ويكيبيديا والمواقع الإخبارية شهدت انخفاضاً في الزيارات بنسبة 10-30 في المئة خلال عامين، معتمداً على محتواها من دون أن يُعيد لها الجمهور. ربما سيدفع هذا إلى نماذج جديدة للتمويل، ويُحسِّن جودة الأخبار، لأن الذكاء الاصطناعي لا ينجذب إلى التقارير الرنانة بقدر انجذابه إلى الحقائق الجديدة.
كما يشير الاقتصادي تايلر كوين إلى أنه: سيكون من الحكمة التوقف عن ملء الفضاء بمخاوف حول أن الذكاء الاصطناعي «يريد قتلنا». هذه التخيُّلات نفسها قد تؤثر على تطوُّر التقنية مستقبلاً.
* هولمان دبليو. جينكينز الابن