تداخل عربي - كردي (1)
تشابكت وتداخلت العلاقات والاهتمامات الثقافية بين الكرد والعالم العربي، وللكثير من الأدباء والأعلام في مصر وسورية والعراق وغيرها أقارب مباشرون من أصول عربية أو كردية، فالشاعر الكبير أمير الشعراء أحمد شوقي (1870 – 1932) مثلاً ينتمي من جهة أبيه وأمه إلى أصول متعددة، فجده لأبيه تجري في عروقه دماء عربية وكردية وشركسية وجده لأمه تركي، وجدته لأمه يونانية كانت وصيفة في القصر الخديوي، وهي التي كفلت شوقي بعد مولده لشدة تعلقها به على الرغم من أن أباه وأمه كانا على قيد الحياة، ومن ثم نشأ شوقي منذ طفولته في أحضان القصر الخديوي.
وكذلك ولد جميل صدقي الزهاوي، الشاعر والفيلسوف العراقي، لأسرة كردية الأصل، كان أبوه من «العلماء الشعراء» وشغل منصب «مفتي بغداد»، أما لقب الزهاوي فيرجع إلى هجرة جده أحمد إلى «زهاو» الإيرانية، حيث تزوج هناك ليعود إلى السليمانية، وكان الزهاوي إلى جانب العربية والكردية يتقن الشركسية التي كان ينظم بها الشعر أيضاً. وكان الزهاوي تحت الحكم العثماني عضواً في مجلس المعارف ومديراً لمطبعة ولاية بغداد، وشارك في الهيئة العثمانية الإصلاحية المبعوثة إلى اليمن 1328هـ 1910م، كما عمل واعظاً وأستاذاً للفلسفة بدار الفنون بالأستانة، ثم أستاذاً للآداب العربية في مدرسة الحقوق البغدادية، وكان أستاذاً للقانون المدني، ثم أصول الفقه، كما أصبح رئيساً للجنة التعريب من التركية إلى العربية.
أما الموقف السياسي للزهاوي، يضيف الناقد العراقي محسن جاسم الموسوي، فلا يبعث على الفخر وهو يتغير بتغير الحكام، وقد هاجمه عدد من الذين كتبوا عنه بسبب ذلك، لكن الزهاوي صمد أمام المعارضين، يضيف الموسوي، ودافع عن التجديد في الأدب والفكر والمجتمع وانتصر للمرأة وحقوقها، وكانت قصيدته المضادة للحجاب، يقول الموسوي، والتي نشرها في صحيفة «المؤيد» المصرية فاتحة كتابات كثيرة وردود مضادة له طالبت بهدر دمه، لولا وقوف الوالي التركي ناظم باشا إلى جانبه، كما خاض الزهاوي معارك ثقافية مختلفة في داخل العراق وخارجه مع الشاعر العراقي الكبير الجواهري، والأديب الكبير عباس محمود العقاد، (قاموس الأدب العربي الحديث، د. حمدي السكوت، القاهرة 2006).
تقول المراجع عن قاسم أمين (1865 – 1908) محرر المرأة في العالم العربي، الذي ترجمت كتبه وأبرزها «تحرير المرأة» إلى الفارسية واللغات الشرقية إنه قاض وكاتب عربي ولد في «طرة» بمصر من أصل كردي، ونشأ بالإسكندرية وفيها تعلم، وعاش بالقاهرة وبها توفي. كما تعلم في الأزهر وكان وثيق الصلة بالإمام محمد عبده والزعيم سعد زغلول، ودرس القانون بجامعة مونبيليه بفرنسا، وأثار كتابه «تحرير المرأة» 1899 جدلاً عنيفاً، وأثارت آراؤه كثيراً من الكتب والمقالات لسنين طويلة.
ومن الأدباء الذين ولدوا في أسرة كردية بسورية محمد كرد علي (1876 – 1953)، وهو عالم لغوي وأديب سوري كردي الأصل تتلمذ على الشيخ طاهر الجزائري ورحل في شبابه إلى مصر، وحضر دروس الشيخ محمد عبده، وشارك في تحرير «المقتطف» و«المؤيد»، وله الكثير من الكتب، ومن كتبه البارزة «خطط الشام»، ويعد كرد علي قائد حركة النهضة الأدبية في الشام، وأسلوبه النثري بليغ وواضح في غير تصنع ولا إفراط (الموسوعة العربية الميسرة 2001). كتب في مذكراته: «جاء جدي من مدينة السليمانية من بلاد الأكراد شمال العراق، وسكن دمشق قبل نحو 150 سنة، وأمي شركسية من قفقاسيا من أصل ألباني، قوية الشكيمة وتقية بارّة، كنت أدهش من مواظبتها على صلواتها، وكانت تتهجد في الليل وتصلي مئة ركعة، وتتوضأ من حوض الماء في صميم الشتاء، ولا تخاف البرد» (المذكرات جـ1، ص14) وفي مذكرات كرد علي الكثير من المفيد والطريف مما قد نعرضه في مقال قادم!