الكلمة مسؤولية

نشر في 20-07-2025
آخر تحديث 19-07-2025 | 18:22
 أ. د. فيصل الشريفي

التعبير وحُرية الرأي من البديهيات لمفاهيم القِيم الأخلاقية الإنسانية التي خضعت للتجارب المجتمعية وحدَّدتها المصلحة العامة، حتى لا تكون وسيلة لانتهاك حقوق الآخرين ومعول هدمٍ لأركان المجتمع.

الحُرية تقوم على مفهوم المسؤولية والعدالة وعدم الانحياز في محاكمة الأفعال أو النيات لأي إنسان، وأيضاً تعني الإنصاف، كما أن إسقاط مفاهيم العدالة على الحُريات قد يختلف من مجتمعٍ إلى آخر، وعند اختلافها تسقط وتتغيَّر مسطرة القياس، لكن في المُجمل العدالة تخضع للقوانين الطبيعية ولذاتها الخيرة في نفوس البشر ووجدانهم.

البعض يتصوَّر نفسه وصياً على تصرُّفات الأفراد، ويتدخل فيما لا يعنيه، رغم انتفاء شرط الضرر، لذلك لابد من التفريق بين السلوكيات والتصرُّفات غير السويَّة التي تتجاوز مفهوم الحُرية الشخصية إلى مفهوم الأذى، ومع ذلك يظل هامش الحُرية عاملاً متغيِّراً تحدِّده الظروف.

المجتمع الكويتي تأثر ولايزال يتأثر بالمتغيِّرات الدولية والإقليمية والسياسية والعقائدية والثقافية، حاله من حال بقية المجتمعات، فضلاً عن انفتاحه على العالم ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي التي تسيطر وتوجِّه الرأي العام إلى القضايا التي يتبناها، لذلك لا أستغرب وجود هذا الصراع الفكري الذي نعيشه اليوم.

منصات ومواقع التواصل الاجتماعي تعمل وفق حسابات تجارية تُدر على مُلاكها المليارات، ولها أجندات وأهداف مختلفة، ولديمومة استمراريتها عمدت إلى مشاركة متابعيها بالخبر وبجزءٍ من تلك الأرباح، مما دفع الكثيرين إلى نشر محتويات قد تكون خارجة عن المألوف، من أجل الحصول على أكبر عددٍ من المشاهدات، وعلى المردود المالي.

تلك المواقع والمنصات أوجدت مجموعة من الباحثين عن الشهرة والمال، بعضهم لا تحده قيود أخلاقية، يتصرَّف بتهور من دون إدراك لتبعات تصرُّفاته عليه وعلى أسرته ومجتمعه، وبعضهم يقتات على إثارة الفتن ونشر الإشاعات لمواضيع معينة يجرِّمها القانون، كالدِّين والوحدة الوطنية، مستغلاً اندفاع وحماسة الجمهور وجهلهم بالقوانين، ومن ثم ابتزازهم، من خلال رفع القضايا الجنائية، وفيهم مَنْ يقبض الثمن مُقدَّماً لذات الأهداف المشبوهة.

الكويت، ومنذ نشأتها، منفتحة على العالم الخارجي، يعيش على أرضها العديد من الجاليات العربية وغير العربية، لديها مخزون ثقافي ما لا يمكن إحصاؤه، لذلك على المجتمع ترسيخ القيم الأخلاقية الحميدة وتعريفه بالحُرية المسؤولة وبقيم العدالة والحقوق والواجبات، فليس كُل ما هو مُباح في المجتمعات الأخرى يمكن القبول به. الحُرية تظل مسؤولية مشتركة مشروطة بقبول المجتمع لها.

الإنسان السوي يحاول إيجاد فرصٍ للعيش الكريم بشكلٍ متزن يضمن له ممارسة حياته بلا مشاكل، وهذا لا يحدث إلا إذا قدَّر مصلحته وقدَّم مصلحة المجتمع الذي يعيش فيه، لا من خلال البحث عن الشهرة ضمن فلسفة «خالف تُعرف»، ولا عن بعض «اللايكات» من هنا وهناك، وكأنه نيلسون مانديلا زمانه.

الكويت تبقى أرض الخير والحُريات، ومَنْ يعتقد أن الغرب أرض القيم والحُريات، فليجرِّب العيش بأحيائها الفقيرة، ليرى كم هي تفتقد أبسط قواعد الأمان والعدالة، حيث انتشار الجريمة والفقر والعنصرية التي تمزقها.

هل مازلت ترغب بشد الرحال إلى حيث يعيش المعدمون لتبدأ رحلة نضالك؟

ملاحظة:

هذا المقال كتبته بتصرُّف من مقالات سابقة عن أهمية اللحمة الوطنية وحُرية التعبير.

ودمتم سالمين

back to top