ثورة «بدر الدين خان»... في كردستان

نشر في 20-07-2025
آخر تحديث 20-07-2025 | 10:36
 خليل علي حيدر

عرف الكرد عدة ثورات في القرن التاسع عشر، وهو نفس القرن الذي بدأت فيه تباشير النهضة وبواكيرها في بلاد فارس والمنطقة العربية والدولة العثمانية، وخاصة الأتراك.

أصبح الكرد، مع انتشار الوعي القومي، بهويتهم وثقافتهم، ينزعون إلى الاستقلال عن الدولة العثمانية، ومن المعروف أن هذا الوعي والمنزع الاستقلالي وصل إلى الكرد متأخراً عن العرب والترك والفرس، كما طغت عليه في كردستان العشائرية في الغالب. ولكن الشعور القومي بالهوية الكردية بدأ ينتشر بين المتعلمين والوطنيين من التجار ورجال الأعمال ممن أربكت السيطرة التركية مصالحهم. ولكن أهم الثورات الكردية في القرن التاسع عشر هي «ثورة الأمير بدرالدين خان باشا»، و«ثورة عزالدين شير»، و«ثورة عبيدالله النهري». (القضية الكردية في تركيا، د. حامد عيسى، القاهرة، 2002، ص46).

امتدت خلافات وصراعات بلاد فارس والعثمانيين عبر القرن التاسع عشر. وكان عدد من الأمراء الكرد يستعينون بالإيرانيين، ويمتنون علاقاتهم مع إيران إذا اصطدموا بالعثمانيين... وبالعكس! وكان الشاه الصفوي يتربص الفرص لاحتلال العراق حتى احتله عام 1622، غير أن السلطان العثماني مراد الرابع استرده عام 1638 مستعيناً بالكرد لتحقيق غايته. واستتب السلام، ولكن على حساب الكرد، بعد اقتسام كردستان بين إيران وتركيا عام 1639، حيث قسمت كردستان لأول مرة في تاريخها... ولاتزال حتى اليوم. وهكذا شهد هذا العهد بداية النفوذ العثماني والإيراني، فأخذت هاتان الحكومتان بمحاولة ابتلاع الحكومات والإمارات الكردية المستقلة، الواحدة تلو الأخرى. (د. عيسى، ص 40-41).

ثار الكرد خلال القرن التاسع عشر ثلاث مرات لتحسين أوضاعهم، كانت الثورة الأولى والأقوى «ثورة الأمير بدر خان» في منطقة الجزيرة 1821-1847 عندما استلم الأمير الحكم، وأصبحت «بوتان» يقول د. عيسى: «مركزاً جيداً لنهوض الحركة الكردية»، وامتدت سلطة بدرخان باشا إلى ديار بكر شرقي الأناضول.

دعا بدرخان إلى توحيد الإمارات الكردية والدخول في حلف مقدس والاجتماع حول الفكرة الوطنية. وقد بنى بدرخان باشا مصنعين في الجزيرة أحدهما للبارود والآخر للسلاح، موطداً نفوذه في قيادة العشائر الكردية. كما «أرسل بدرخان باشا الكرد الشبان إلى أوروبا للتعلم، وحاول كسب تأييد الأرمن والآشوريين».

ويضيف د. عيسى أن بدرخان «نوى تسليم الأرمن إدارة الاقتصاد في دولته القادمة، وسرعان ما أصبح عدد كبير من الأرمن في جيشه، ووضع نصب عينيه تحرير كردستان من السيطرة التركية. وقد توج جهوده بإعلان استقلال كردستان سنة 1842، حيث صك العملة باسمه، كما قام بتوسيع أرجاء كردستان إلى الموصل وديار بكر». (القضية الكردية، د. حامد محمود عيسى، ص 48).

لكن وقع الاختلاف بين عناصر الإمارة، وتوترت العلاقة بين الكرد والآشوريين. وفي عام 1843 نفذ البكوات الكرد مذبحة ضد السكان الآشوريين، فاشتكى هؤلاء للدولة العثمانية التي كانت تدعم الطرفين. وسرعان ما تداخلت الطوائف المسيحية والدول الغربية. «وبينما كان الأمير بدرخان منهمكاً بطرد العدو من كردستان، ورده نبأ يفيد بأن الجناح الأيسر الذي كان بقيادة ابن عمه يزدان شير قد التحق بالعدو ضد شعبه، ذلك أن يزدان شير الذي كان على خلاف مع الأمير بدرخان مال إلى الأتراك. وكان أن تمكن الأتراك من الاستيلاء على منطقة الجزيرة بمعونة يزدان شير، ونشبت معارك أخرى وقع الأمير بدرخان إثرها في الأسر مع البقية الباقية من قواته، وأرسل مخفوراً إلى استنبول مع أسرته. (د. عيسى، ص50-52).

وبعد أن أخمد الجيش التركي ثورة الكرد في الجزيرة وبوتان أسندت الحكومة التركية الإدارة في إمارة بوتان إلى يزدان شير. وسرعان ما انقلبت الدولة العثمانية عليه، وأبعدته عن إدارة الإمارة، وأرسلت بفرق الجيش التركي إلى أنحاء تلك الإمارة، حيث تمركزت في المدن الموجودة بها، وعينت واليا لها، وسرعان ما تسبب ظلم وتعسف الولاة والجنود في حدوث اضطرابات وعدم الرضا ضد الدولة. وعندما أعلنت الحكومة التركية الحرب على روسيا تطلب الأمر منها أن تخفف من قوات جيشها في كردستان، فاستفاد يزدان شير من هذه الفرصة، وترأس الحركات التي نشبت في منطقة بوتان سنة 1853، حيث بدأت الثورة.

استولى الثوار في زحفهم على مدينة الموصل على مصنع للمدفعية، وطردوا ممثل السلطات المحلية، واستولوا على الخزينة، وقدم الكرد اليزيديون دعماً قوياً للثوار، ودحر أميرهم قوة تركية مؤلفة من خمسة آلاف مقاتل، كما انضم إلى الثوار السكان المحليون من العرب واليونانيين. وكان أبناء بدرخان باشا بقواتهم الكبيرة انضموا إلى الثوار، وقدم السكان بمن فيهم المسيحيون الآشوريون المساعدة للثوار... غير أن هذه الثورة هزمت وتفرقت في نهاية الأمر، بسبب قوة الجيوش العثمانية والتنسيق مع القوات الروسية.

وقامت في 1878- 1883 ثورة الشيخ عبيدالله النهري، إثر المجاعة والجفاف في مناطق كردستان، وكان الشيخ عبيدالله مرشداً للطريقة الصوفية النقشبندية، وكانت ثورة كبيرة، ولكنها لم تنتصر في النهاية.

ولكن لماذا فشلت هذه الثورات في تحليل د. حامد عيسى؟

back to top