البلكي يسجل حضوره في «كتارا» بـ «سبع حركات للقسوة»
لا تكتب الحروب قصص الانتصارات فقط، بل تنحت أيضاً جراحاً تتحول إلى حكايات. وفي زحام الأصوات الأدبية التي تروي لنا فصولاً من المآسي الإنسانية، أطل علينا الأديب المصري مصطفى البلكي العام الماضي بروايته «سبع حركات للقسوة» كندبةٍ إنسانية تخرج من عمق المعاناة، قبل أن تصل الرواية أخيراً إلى القائمة الطويلة لجائزة كتارا 2025.
تبرز رواية «سبع حركات للقسوة» الصادرة عن دار سما للنشر والتوزيع، للروائي المصري مصطفى البلكي، كصرخة إنسانية تخترق ضجيج الحرب، وتلامس أعماق القرّاء العرب الذين عبروا على مدار عام منذ صدور الرواية عن إعجابهم الكبير بها، وهو ما أكد عليه عدد لا بأس به من نقاد الأدب في مصر والعالم العربي، ولم يكن غريباً أن يتم إعلان تأهل العمل إلى القائمة الطويلة لجائزة كتارا للرواية العربية 2025، ليضيف إنجازاً جديداً إلى مسيرة كاتب عُرف بصوته المميز وقدرته على تحويل التراب إلى إبداع، والمعاناة إلى سردٍ جميل.
تدور الرواية في فلك الحرب وارتداداتها النفسية، لكنها لا تكتفي بسرد الوقائع، بل تغوص في دواخل شخصياتها، خاصة «براء»، بطلة الرواية، المرأة التي تفقد أسرتها وتدخل في دوامة الصراع. وعبر رحلة مع امرأتين أخريين، تنسج الرواية مصائر متشابكة بين الألم والانتظار والرغبة في الانتقام، لتصل إلى ذروة مفعمة بالمفارقة حين ترتبط «براء» بمن قتل زوجها، في علاقةٍ تتأرجح بين الحب والكراهية.
التقدير يحفزني
البلكي علق على إعلان وصول روايته إلى القائمة الطويلة في «كتارا» قائلاً: «كل مبدع يتمنى أن يُتوّج عمله بجائزة... التقدير يحفزني، والقائمة الطويلة هذا العام تضم أسماء كبيرة، ويسعدني أن أكون بينهم».
ولا تعد الرواية مجرد سردٍ للحرب، بل استعارة للقهر الذي تتعرض له المرأة في المجتمعات الممزقة بالصراعات. ومن خلال لغة شفيفة تخلو من التكلف، يقدم البلكي عالماً تسكنه التفاصيل الصغيرة التي تكشف المأساة الكبرى: عجوز تحتفظ بقميص حفيدها المدمّى، امرأة تهرب من المعسكر لتفاجأ بزوجها يُحرق أمام عينيها، وأخرى تتحول من أسيرة إلى نادلة في حانةٍ تتربص بالقاتل. هذه الشظايا الإنسانية تُنسج بخفة حرفية، لتقدم صورةً مركبة عن الخراب الذي لا يكتفي بتدمير الأجساد، بل يمتد إلى تمزيق الروابط الإنسانية.
التراث الصعيدي
واشتهر البلكي بأسلوبه الممزوج بالتراث الصعيدي والتاريخ الشعبي، يبرع في هذه الرواية في تقديم صوتٍ مؤنثٍ قوي، مستلهماً حكايات الجدات وقصص القرى التي شكلت وعيه منذ نعومة أظفاره، لذا فإنه يقول عن نفسه إنه «صنيعة النساء»، وهذا التأثير يظهر جليّاً في «سبع حركات للقسوة»، حيث تتحول الشخصيات النسائية إلى رموزٍ للصمود والمقاومة، كما أن عمله كمختص كيميائي في أسيوط (إحدى مدن صعيد مصر) أضاف بعداً فريداً إلى كتاباته، مزاوجاً بين دقة العلم وحرارة الأدب.
وأكثر ما يميز «سبع حركات للقسوة» ابتعادها عن الخطاب التقليدي عن الحرب، فبدلاً من التركيز على البطولات الزائفة، تختار زاوية مظلومة: صوت المرأة المنسية في الريف، التي تواجه العنف بالخيال، والفقد بالحب. جملة تقولها إحدى الشخصيات لـ«براء» – «الخيال ضروري... وفي هذا الكتاب وديان وجلال وجبال ثم هناك أعلى القمم... خيالك أنت» – تصبح مفتاحاً لفهم الرواية، حيث يتحوّل الخيال إلى وسيلة للنجاة، والقراءة إلى فعل مقاومة.
بترشيحها للقائمة الطويلة لجائزة كتارا القطرية، تؤكد «سبع حركات للقسوة» مكانة مصطفى البلكي كواحد من أهم الأصوات الروائية في العالم العربي، القادرة على تحويل المعاناة إلى فن، والوجع إلى جمال.