تقرير اقتصادي:صندوق الأجيال يبيع استثمارات سيادية دون شفافية

• باع أسهماً استراتيجية بـ 6.5 مليارات دولار... أعلنتها «بلومبرغ» لا هيئة الاستثمار!
• الصناديق الخليجية تطور إفصاحاتها... والمؤسسات الكويتية تصاب بعدوى حجب المعلومات
• المستحق أن نتجاوز نقاش شفافية أو حوكمة أو قيمة الصندوق السيادي لننشغل بوظيفته الاقتصادية

نشر في 17-07-2025
آخر تحديث 16-07-2025 | 19:28
محمد البغلي
محمد البغلي

ألقى نشر وكالة بلومبرغ العالمية خبرين عن بيع الهيئة العامة للاستثمار الكويتية حصصاً استراتيجية في شركتين، بقيمة إجمالية تبلغ 6.5 مليارات دولار، الضوء مجدداً على شفافية إدارة صندوق احتياطي الأجيال وأسباب تولي وكالة بلومبرغ خلال السنوات الأخيرة مهمة إعلان صفقات أصول الكويت السيادية، من دون إصدار بيان رسمي من هيئة الاستثمار، بصفتها الجهة المعنية، كحال العديد من صناديق الاستثمار السيادية الخليجية - فضلاً عن العالمية كالصندوقين النرويجي والسنغافوري - التي باتت تعلن عن صفقاتها وتخارجاتها وإصداراتها من الصكوك وأدوات الدَّين، فضلاً عن الأداء السنوي كحال الصناديق الخليجية الأصغر حجماً، مثل البحرين وسلطنة عمان، كذلك صندوق مبادلة الإماراتي.

خصم ونطاق

فخلال الأسبوع الماضي، أتمّت الهيئة العامة للاستثمار صفقتين، الأولى بيع حصة بقيمة 3.4 مليارات دولار في شركة التأمين «AIA غروب»، التي يقع مقرها في هونغ كونغ بسعر 68 دولار هونغ كونغ للسهم، وبخصم يصل إلى 6 بالمئة، مقارنة بسعر إغلاق اليوم السابق للصفقة، والثانية بيع حصة بقيمة 3.1 مليارات دولار في بنك أوف أميركا غروب، بأسهم تم تسعيرها في الصفقة بواقع 47.95 دولاراً للسهم، وهو الحد الأدنى للنطاق السعري الذي تم تسويقه، وكلا الصفقتين أعلنت عنهما وبتفاصيلهما وكالة بلومبرغ وليس إعلاناً رسمياً من هيئة الاستثمارالكويتية.

هل يمثّل بيع الأصول إعادة هيكلة اسراتيجية لمحفظة الاستثمارات السيادية أم لتمويل عجوزات ومشاريع لم تكن متوقعة عند إعداد الميزانية؟!

وكان بنك أوف أميركا، الذي باعت هيئة الاستثمار الكويتية حصتها فيه، أعلن أمس نمو الأرباح الصافية بـ 3.2% إلى 7.1 مليارات دولار بالربع الثاني.

تراجع الشفافية

ولسنا في معرض مناقشة الدور الصحافي لوكالة إخبارية عالمية، مثل بلومبرغ، ولا حتى منطلقات القرار إن كان فنياً، بل في سياق لفت الأنظار إلى أهمية تحمُّل هيئة الاستثمار دورها في إعلان صفقاتها، كما كانت قبل سنوات سابقة تمارس الحد الأدنى من الشفافية، عندما أعلنت رسمياً عام 2009 بيع حصتها في مجموعة سيتي غروب الأميركية، محققة ربحاً صافياً قدره 1.1 مليار دولار، ومعللة الصفقة بوجود فرصة مجدية للتخارج وسط تنامي مخاطر الأزمة المالية العالمية أو إفصاحها عام 2017 عن خسارة 390 مليون يورو - بعد خصم التوزيعات السنوية - من استثمارها في شركة أريفا النووية الفرنسية، معللة البيع والخسارة بتدهور أوضاع الصناعة النووية في العالم، إثر تداعيات كارثة تسونامي اليابان، وحادثة المفاعل النووي في فوكوشيما، الى جانب كشف هيئة الاستثمار لديوان المحاسبة عام 2023 - بعد نحو 7 أشهر من الصفقة - أن بيعها لنحو 20 مليون سهم من ملكيتها في شركة مرسيدس بنز جاء لتحقيق بعض الأرباح في الوقت الصحيح والمناسب، دون تفصيل لقيمة صفقة البيع، بل فقط بيان لقيمة العائد من الاستثمار بوجه عام حتى نهاية عام 2022، البالغ 5.3 مليارات دولار.

عدوى وتطور

واللافت في سياق إعلانات الجهات السيادية عن استثماراتها أن الصناديق السيادية الخليجية باتت في السنوات الأخيرة أكثر ميلاً نحو الإفصاح والإعلان من الصندوق السيادي الكويتي، إذ تعلن الصناديق الخليجية عن صفقات بشكل رسمي في قطاعات متعددة، وصولاً الى إعلانات الأداء السنوي، على عكس الهيئة العامة للاستثمار التي انتقلت عدوى انخفاض مستويات الشفافية فيها إلى مؤسسات اقتصادية كبرى محلية، كمؤسسة البترول الكويتية، التي أبرمت في شهر أبريل الماضي صفقة استحواذ من خلال شركتها التابعة شركة الكيماويات البترولية على نسبة 25 بالمئة من مصانع وانهوا كميكال بقيمة 638 مليون دولار، فكان الإفصاح من الشركة الصينية، لكونها شركة مدرجة في بورصة شنغهاي، وليس من الجانب الكويتي.

إعلان بيانات الصندوق السيادي من حيث التوزيع الجغرافي والقطاعي والصفقات يعطي فرصة لتقييم جودة الأداء الاستثماري

كذلك أحجمت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، منذ نهاية الربع الأول لعام 2021، عن إعلان بيانات المحفظة الاستثمارية وأدائها، في مشهد يشير إلى تراجع عن خطوات سابقة في الشفافية تعزز من ضبابية معلومات مهمة لدى المشتركين والمتقاعدين.

ظاهر وباطن

وقد يتساءل البعض عن مدى أهمية عرض البيانات المالية لصندوق الكويت السيادي أو احتياطي الأجيال الذي من المرجّح أن تتجاوز قيمة أصوله تريليون دولار، وهو المهم وليس شفافيته أو سرعة الإفصاح عن بياناته؟

وفي الحقيقة، فإن السؤال أعلاه قد يكون ظاهره صحيحاً، إلا أن باطنه يحتاج إلى درجة عالية من التفنيد، إذ إن إعلان البيانات الاستثمارية من حيث التوزيع الجغرافي والقطاعي يعطي فرصة لتقييم جودة الأداء الاستثماري من حيث الأنشطة والقطاعات والتوزيع الجغرافي من أطراف حيادية ومستقلة، فضلاً عن المقارنة مع الصناديق السيادية الأخرى، أو إن كان صعود قيمة صندوق احتياطي الأجيال الكويتي خلال سنوات معينة مدعوماً باستقطاعات 10 بالمئة من الإيرادات النفطية وليس بسبب جودة الأداء الاستثماري، بالتالي تكون هذه الإفصاحات وتدفق المعلومات فرصة لمعرفة جودة أداء مديري الاستثمار الذين تتعاقد معهم الجهات الكويتية، كهيئة الاستثمار أو مؤسسة التأمينات الاجتماعية.

الدور المطلوب لاحتياطي الأجيال أن يسهم في صياغة الاقتصاد الكويتي لمعالجة اختلالات الاقتصاد العميقة

كذلك تكمن أهمية احترام القرار الفني بالصفقات الاستثمارية في شفافيتها لا غموضها، فمثلاً بيع حصة في مصرف عالمي، مثل بنك أوف أميركا غروب بالحد الأدنى للنطاق السعري، وشركة تأمين عملاقة، هي aia، بأقل من سعر إقفال اليوم السابق، لا بُد أن يطرح أسئلة حول أسباب البيع، وهل تمثّل عملية إعادة هيكلة اسراتيجية لمحفظة الاستثمارات السيادية لدخول قطاعات أخرى، سواء كانت في التكنولوجيا أو البنية التحتية أو الأدوات المالية أو غيرها، وما إذا كانت صفقات الصندوق السيادي تعبّر عن تنامي المخاوف العالمية من الحرب التجارية «الترامبية»، وآثارها على مختلف الأسواق الدولية.

كما أن بيان أو إفصاح دوافع الصفقات يجيب عن أسئلة عمّا إذا كانت تعكس رغبة الإدارة المالية في البلاد لتمويل عجوزات في الميزانية لم تكن ضمن دائرة توقعات مُعدّي الميزانية أو خارج فرضيات إصدار قانون الدَّين العام، أو لتمويل مشاريع لم تكن متوقعة ضمن الإنفاق العام؟

تدهور وتحاشٍ

وبينما تمكننا الإفصاحات الشفافية من معرفة مدى تأثير تدهور الاقتصادات العربية وعملاتها الوطنية في لبنان ومصر وتونس وسورية واليمن على الاستثمارات السيادية للكويت، فإنها تدعم الموقف السيادي للبلاد في تلافي التهديدات الغربية - من فترة لأخرى - بتقييد أعمال صناديق أي دولة لا تلتزم بالمعايير الخاصة بشفافية استثماراتها السيادية التي تدير مئات المليارات من الدولارات، كما أننا من خلال وضع ضوابط شفافة تضمن حوكمة الاستثمارات وإدارتها، نتحاشى تكرار السوابق الأليمة في ثمانينيات القرن الماضي، كاختلاسات الاستثمارات، ثم الناقلات، أو سرقات التأمينات الاجتماعية خلال العقد الماضي، إذ إن تكرار العمليات المالية المشبوهة في غضون 30 عاماً أو أكثر لا يثير الشكوك بذمم القائمين الحاليين، فهذا مرفوض بالمطلق، إنما يفتح الباب بشأن حوكمة المؤسسات المالية وشفافيتها ومدى تعلّمها من الدروس المؤلمة.

وظيفة اقتصادية

في الحقيقة، فإن صندوق الكويت السيادي - الذي يُعد الأول من نوعه في العالم منذ عام 1952 - يستحق نقاشاً أعمق من مجرد نقاش شفافيته أو حوكمته أو حتى قيمة أصوله، فالمستحق أن يكون النقاش والتحليل متعلقين بوظيفة الصندوق في اقتصاد البلاد، وهو أمر يتجاوز مسألة مساهمته في سداد عجوزات الميزانية، فهو الصندوق الذي اقتطع في عام 1991 نحو 40 بالمئة من إجمالي أصوله لتمويل مصروفات حرب تحرير الكويت يفترض أن يؤدي دوراً اليوم في إعادة صياغة الاقتصاد الكويتي من حيث خلق الفرص الاستثمارية التي تنعكس في معالجة اختلالات الاقتصاد المالية العامة وسوق العمل ورفع كفاءة الناتج المحلي الإجمالي.

back to top