الكرد... يدخلون التاريخ

نشر في 16-07-2025
آخر تحديث 15-07-2025 | 17:44
 خليل علي حيدر

عرف اسم «كردستان» لأول مرة، تقول بعض المراجع، في القرن الثالث عشر الميلادي في عهد السلاجقة. (القضية الكردية في تركيا، د. حامد محمود عيسى، القاهرة، 2002، ص 9)، ويضيف د. عيسى نفسه أن «كردستان كلمة فارسية الأصل، تتألف من مقطعين: کرد وستان، تعني الأولى الشجعان، وتعني الثانية بلاد، وترجمتها الحرفية أرض الشجعان».

وككل قومية أو جماعة بشرية لا يخلو الحديث عن أصول الأكراد ومعنى كلمة کردستان، والكثير من التفاصيل الأخرى من مبالغات وتفاصيل غير دقيقة. فما من قومية إلا وتؤمن بأن لها أصولاً رفيعة أو ربما مقدسة، والبعض ينسب نفسه للشمس وأخرى لبعض الآلهة أو لوقوع تزاوج وتوالد نجم عنه ظهور هذه الجماعة، وتمتزج المبالغات الغيبية بالحقائق البشرية التي قد يدافع عنها المؤمنون بها بحماس.

ويقول د. عبدالرحمن قاسملو، إن كلمة «كردستان» لا يعرف بها قانوناً أو دولياً، وهي لا تستعمل في الخرائط والأطالس الجغرافية، كما أنها «لا تستعمل رسمياً إلا في إيران، حيث تطلق فقط على إقليم سنة من كردستان إیران». (نفس المرجع، ص 15).

ولا تتوقف مشكلة الكرد عند تعدد اللغات واللهجات، بل وكذلك تداخل الحدود السياسية بين مناطق کردستان، فهي مجزأة بين تركيا والعراق وإيران، فضلاً عن نتوءات داخلة في سورية، كما أن سطح کردستان، يقول د. عيسى: «ممزق تحجزه بعضه عن بعض سلاسل جبلية وأنهار عديدة تتألف من ينابيع مياهها لا يحصى لها عدد، ولا ترتبط بخطوط مواصلات حديثة تسهل اتصال الكرد بعضهم ببعض، وحجزتها عن بعضها البعض حدود الدول التي اقتسمتها فيما بينها». ويضيف د. عيسى: «وبالرغم من كثرة الجبال في کردستان، فإن الشكل العام لهذه الجبال لا يختلف بعضه عن الآخر في کل کردستان، فجبال شمال الموصل لا تختلف في شيء عن المنطقة الكردية الإيرانية أو المنطقة الكردية في تركيا».

والنظرية الراجحة في أصل الأكراد أنهم أقوام وعشائر تاريخية مختلفة، بدأ زحفهم على المنطقة قبل عام 2000 ق.م مع أقوام أخرى. ويقول د. عيسى إن معظم العلماء يؤيدون القول بهجرة الكرد من الهضبة الإيرانية نحو الغرب، وأهم من طرح هذه النظرية العالم الروسي ميندركسي في كتاب له عام 1915 بعنوان «الكرد ملاحظات وانطباعات».

ولعالم روسي آخر هو مار نظرية ثانية طرحت عام 1911 تقول إن الكرد هم السكان المحليون للمنطقة الجبلية لاسيما الصغرى - تركيا الحالية - وإن اللغة الكردية تكونت في هذه المناطق ولم تتكون في مناطق أخرى. ويتجادل المستشرقون في تطور اسم الكرد، فقد كان الكرد لدى السومريين معروفين باسم «كوتي»، ولدى الإيرانيين القدماء باسم «كورتيوي»، و«كوردراها»، كما عرفت المنطقة بين العرب والمسلمين لاحقاً باسم «بقردى Bakarda».

ويقول البعض إنه بعد وفاة الإسكندر المقدوني عام 323، عمد قواده إلى قتل زوجته روكسانا الكردية الأصل، كما قتلوا ابنها معها، فكانت كردستان من نصيب القائد سلوقس، واستمر الكرد يحكمون أنفسهم بعد ذلك على شكل إمارات وإقطاعات مستقلة طوال القرنين التاليين. وفي عام 226 ميلادية أعلن ملك إيران اردشير الساساني ملكاً على بلاد فارس وأرمينيا وكردستان، وبذلك عادت كردستان إلى الحكم الإيراني واعتنقت ديانته «الزردشتية»، دين فارس في ذلك الوقت، حتى عام 640م، حيث سقطت الدولة الساسانية على يد العرب، حيث تم إرسال ثلاثة جيوش لفتح كردستان، وبدأ الكرد، يقول د. عيسى، أول اتصال لهم بالعرب، و«دخلت القبائل الكردية أفواجاً في الإسلام». ويضيف أن الأكراد تركوا أثراً كبيراً في تغيير مسار التاريخ الإسلامي، ويضيف أن الكرد كانوا عنصراً فعالاً في جيش أبي مسلم الخرساني وجيش أبي شجاع الكردي الذي دافع عن حقوق الخليفة في بغداد ضد آل بويه، كما برز الدور الكردي كما هو معروف في جيش صلاح الدين الأيوبي الذي كان «مؤلفاً من كثير من العشائر الكردية والأفراد الكرد، قبل أن تتحول كردستان إلى إمارات كردية مستقلة. ومنذ بداية القرن السادس عشر 1514م خضعت كردستان للحكم العثماني الذي استمر أربعمائة سنة»، أي حتى عام 1918، وقد زاد ذلك في عزلتها وتخلفها وإجهاض أي محاولة لتطويرها من الداخل. وقد وجد الكرد أنفسهم على امتداد القرون الأربعة «في مواجهة أعدائهم التقليديين التاريخيين الأتراك والفرس وجهاً لوجه». (ص 42).

بذل الكرد جهداً كبيراً في الاندماج في الأوضاع السائدة والمؤسسات الفارسية والتركية، ولم يقم رؤساء وأمراء الدويلات والإمارات الكردية بأية محاولة جادة لمقاومة الاحتلال ومناهضة تقسيم واقتسام بلادهم. (ص 43)، وقد شهد القرن التاسع عشر بداية انتشار القومية الكردية والوعي القومي الحديث في كردستان فأصبح الكرد ينزعون إلى الاستقلال عن الدولة العثمانية، وجرت عدة محاولات كردية ثورية يتحدث عنها د. عيسى كما سنرى.

back to top