الإعدام السهل لصَباح السهل

نشر في 13-07-2025
آخر تحديث 12-07-2025 | 19:54
 فيصل خاجة

قد لا يبدو الاسم مألوفاً للغالبية... وبمعزل عن ذلك، فإن قصة المطرب العراقي الراحل صباح السهل، الذي اشتهر عام 1974 بأغنية «بلايا وداع» مكتظة بالغرائب والمفارقات والعِبَر.

ذات صَباح اختفى صَباح من الوجود، وبعدها بعشرة أعوام بالتمام والكمال، تم اكتشاف لغز اختفائه، فالمسؤولون عن الأمن كانوا سبب «اللا أمن» وعن إخفائه من الوجود، إلى أن جاء «المحتل» الأميركي عام 2003 ــ ويا للمفارقات ــ ليفرج عن وثائق النظام البعثي، ومن بينها أكثر من 30 ورقة تختص بالكشف عن مصير هذا الفنّان بما حملته من تناقضات بشعة مكتملة الأركان.

يأخذنا المشهد إلى غرفة نوم هذا الفنّان الجريء، في ليلة من ليالي مارس 1993، في ذروة الحصار العالمي على النظام البائد، فتح صَباح قلبه لزوجته بالخزي الذي رآه في إحدى الجلسات الماجنة لعديّ ابن الرئيس صدام حسين، إذ كان مدعواً وبحضور مجموعة من الفنانين والفنانات العرب، منهم ماجدة الرومي وسيمون وأمينة فاخت، وآخرون.

كان حديث صَباح لزوجته مدفوعاً بتأثير المشروبات الروحية (لماذا أسموها روحية؟!)، ليبوح بما لم يجب البوح به، وبعد أن فتح صَباح قلبه ممتعضاً من سوء تصرفات رئيس الجمهورية وأبنائه وآخرين، معلناً، بصريح العبارة، استعداده لأن يكون ضحية لهؤلاء السفلة، حتى وإن أدّى ذلك إلى إعدامه! كانت المفاجأة الكبرى التي ستبوح بها سطور هذا المقال!

في ذروة الضغوط الاقتصادية قبيل الحادثة، اضطر صَباح لاتخاذ قرار ببيع بيته الذي كان قد سجّله في الأصل لزوجته، ولاعتراض زوجته على ذلك القرار، رغبةً منها في الحفاظ على البيت، قامت بفعل شيطاني، حيث أخفت جهاز تسجيل كاسيت سرّي في غرفة نومها مع زوجها، محفزّةً إياه على التعبير عن امتعاضه وغضبه تجاه العصابة الحاكمة وزبانيتها، ليطلق صَباح العنان للسانه، ممتعضاً من انشغالهم بملذاتهم وفجورهم بمعزل عن الشعب، وتدميرهم اجتماعياً واقتصادياً برعونتهم وحماقتهم، التي أدت إلى ارتفاع سعر حبّة الطماطم إلى 250 ديناراً، حديث طويل وجريء امتلأ شريط الكاسيت به، نالت الزوجة مرادها وقامت بالوشاية ضد زوجها، مع تسليم الشريط لأجهزة الأمن والمخابرات، فتم اعتقاله بتاريخ 4/ 4/ 1993، وبعد محاكمة شديدة النزاهة بتاريخ 2/ 5/ 1993، تم إصدار الحكم بإعدامه شنقاً، وهو ما تم في اليوم التالي مباشرةً (أنظمة كفؤة مؤمنة بقيمة الوقت)، مع مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة كافة، لم يكن بيته من بينها، وذلك لملكية الزوجة له.

لا... لم تنته القصة الغريبة، فبعدها ببضع سنوات تم اعتقال ابنها من زوجها الأول بتهمة السطو المسلح، وتم إصدار الحكم عليه بالإعدام، ضاقت بها سبل إنقاذه من حبل المشنقة النشط، ومع اقتراب موعد تنفيذ الحكم، لاح لها أمل بذلك عندما تعرّفت على شخص وعدها بإنقاذه مقابل مبلغ كبير، لم يتوافر المبلغ لديها، فاضطرت لبيع البيت، وقامت بتسليم المبلغ للمنقذ المنتظر، الذي لم يكن سوى محتال، وتم تنفيذ الإعدام وخسرت ابنها والبيت معاً، لتصيبها جلطة مودية بحياتها، وكأنها قصة خيالية ونموذجية للكارما.

جاءت القصة بأكملها وكأنها ترجمة موازية لأشهر أغنياته، فقد غادر صَباح الحياة خلسةً وغدراً «بلايا وداع»، كما جاء في مطلع الأغنية، وكان ختامها «يا رخص العشق من ينشرى وينباع»!

back to top