السرقات الفنية... ظاهرة لا تنتهي بين غياب المساءلة وتأخر العدالة القانونية

نشر في 11-07-2025
آخر تحديث 10-07-2025 | 20:06
No Image Caption

في كل موسم فني، ومع كل معرض أو مسابقة، تتكرر ظاهرة مؤسفة باتت تؤرق الأوساط الفنية الجادة، السرقات الفنية. هذه الممارسات لم تعد تقتصر على التقليد أو الاقتباس، بل تجاوزت ذلك إلى نَسب أعمال كاملة إلى فنانين آخرين، وغالباً ما تمر دون مساءلة أو مراجعة، في ظل غياب الوعي النقدي والمعرفة الحقيقية بالسير الذاتية للمشاركين.

السيرة الذاتية للفنان ليست مجرد تفاصيل شكلية تُرفق بالمشاركة، بل هي وثيقة فنية تسجّل تطوّر الأسلوب وتُظهر التدرج الطبيعي في تجربة الفنان. ولهذا، فهي قادرة على فضح أي عمل لا ينسجم مع السياق الفني لمن نسبه إلى نفسه. فكيف يمكن لفنان اعتاد مستوى فنياً متواضعاً أن يفاجئ الجميع - فجأة - بعمل فني متقدّم يتجاوز إمكانياته، دون أن يكون لذلك امتداد واضح في مسيرته؟

المثير أن هذه السرقات تظهر عادة في المسابقات التي تتضمن جوائز مالية، حيث ينشط بعض المنتفعين بشراء لوحات جاهزة من رسامين محترفين، ثم يوقعونها بأسمائهم ويقدمونها على أنها تجليات إبداعية مفاجئة، يظفرون من خلالها بالجوائز والتكريم. لكن سرعان ما يعود هؤلاء إلى مستواهم الفني الحقيقي، فينكشف الأمر لمن يتابعهم عن قرب.

المسؤولية هنا لا تقع على الفنان وحده، بل تمتد إلى لجان التحكيم، التي يجب ألا تكتفي بتقييم العمل من الناحية البصرية فحسب، بل من واجبها النظر في السياق التاريخي والتقني لتجربة الفنان. إن غياب المحكّمين المطلعين على تطور المدارس والأساليب الفنية يفتح الباب على مصراعيه أمام الغش، ويمنح الجوائز لمن لا يستحقها.

وما يزيد الوضع سوءاً، أن بعض الفنانين يكتشفون سرقة أعمالهم من قبل هواة أو فنانين مغمورين نسبوا تلك الأعمال لأنفسهم دون وجه حق. ورغم وضوح حالات التعدي، فإن التطبيق العملي لقوانين الملكية الفكرية شبه غائب. من يلجأ إلى القضاء يُجابه بإجراءات طويلة ومعقدة، قد تمتد سنوات، وتُرهق الفنان مالياً ونفسياً، بينما يظل السارق بلا محاسبة تُذكر.

نحن اليوم بحاجة ماسة إلى غربلة حقيقية للمشهد الفني، وإلى آليات واضحة تحفظ نزاهة الفن، وتعيد الاعتبار للجهد الحقيقي والتجربة الصادقة. يجب أن تُفتح الملفات، وتُكشف التجاوزات، ويُحاصر أولئك الذين يحاولون تصدّر الساحة بلوحات لا تعبّر عنهم ولا تنتمي إليهم إلا بتوقيع زائف.

لقد أدى هذا العبث إلى عزوف كثير من الفنانين الجادين عن نشر أعمالهم أو المشاركة في المعارض، لأنهم باتوا يدركون أن أسماء عابرة، كفقاعات الصابون، قد تحصد الجوائز دون أي اعتبار للسيرة أو المصداقية... ثم تختفي بعد ذلك، كما ظهرت، بلا أثر.

* فنانة تشكيلية

back to top