جلد المجتمع!

نشر في 11-07-2025
آخر تحديث 10-07-2025 | 19:30
 سارة صالح الراشد

«جلد الذات»، مصطلح نفسي يعني كثرة لوم الذات وانتقاصها ومقارنتها بالآخرين وتعظيم تفوقهم واحتقار النفس والشعور الدائم بالدونية. أما جلد المجتمع، فهو بلا مرجعية، وليس له ارتباط بعلم أو دراسات، بل استحدثته شخصياً للتعبير عن حالة تقع فيها شعوبنا كثيراً، وهي ازدراء مجتمعهم وتمجيد المجتمعات الأخرى.

منذ الثورة الصناعية وانطلاق المجتمعات الغربية في الإنتاج والتشييد، انبهر العالم بـ «التقدُّم» الذي أحرزته تلك البلدان، وسائل النقل الجماعية، الشوارع المرصوفة، القوانين والانضباط، الأسواق الجذابة، المعاهد والجامعات الحديثة، العلوم والتكنولوجيا. ازدهرت السياحة، وكثرت البضائع، وأصبح السفر إلى تلك الدول من الرفاهية... والحظ!

رغم حقيقة أن الحضارة الأوروبية قامت على الحضارة الإسلامية، والنقد المعروف حول اعتبارها «مادية» خلت من الجانب الروحي والأخلاقي، فإن أنظار العالم ظلَّت محدقة في برج إيفل وتمثال الحُرية، والعلامات التجارية، والطبيعة الخلابة، حتى أمسى الناس يحسدونهم على حياتهم، ويتغنون بمعيشتهم، فضلاً عن الصناعة السينمائية التي قدَّمت تلك المجتمعات كنموذج مثالي للحياة العصرية.

هناك تناسٍ ظالم لمميزات بلداننا وثقافتنا. لدينا روابط أسرية واجتماعية مفقودة في تلك المجتمعات «المتطورة». لدينا نعمة الأمن، وما أعظمها من نعمة! لدينا تراحم بيِّن وعطف، واحترام للكبار، واستنكار إذا غاب أي من ذلك. لدينا ماء السبيل في كل زاوية، الكرم والتكافل الاجتماعي، وآداب وذوقيات. لكننا نجد باستمرار التركيز على كل ما هو سلبي، وتعظيمه. شكوى وتصوير. التذمر بشأن الطقس، والقوانين، والمرافق. التغيير يبدأ بالطرح الهادف، واقتراح الحلول، ومراعاة اللباقة، وليس بالذم والاتهام.

نحن نُلقي أخطاءنا وسوء قراراتنا على المجتمع، ونحمِّله مصيرنا وتشوشنا واكتئابنا. ألسنا نحن المجتمع؟! المجتمع منذ البدء عبارة عن أفراد شكَّلوا جماعات، وأقاموا نظاماً بالاتفاق، فكُل شيء يعود إلى «وعي» هؤلاء الأفراد، و«نضجهم» في التحسين.

أصاب الناس هوس «كوكب اليابان»، واستعرض المسافرون رحلتهم وأنشطتهم، وقاموا بتصوير كل شيء حتى دورات المياه، وأطالوا الحديث، وكرروا: نظامهم، نظافتهم، احترامهم للمواعيد، متعامين تماماً عن الجانب المظلم من ضغط العمل، وعلاقته بارتفاع معدلات الانتحار. يتكرر وصف المجتمع الياباني بأنه منغلق ثقافياً، ولديه صعوبة في تقبل «الأجانب»، لشدة تمحوره على نفسه، ثم لديك الانغماس في عالم «الانمي»، وتأثيره على السلوك، وترويجه للإباحية والجريمة.

لكل بلد مزاياه وسلبياته، وتاريخ الدول يمرُّ بمراحل، والتركيبة السكانية والمنظومة الاجتماعية والأعراف وأساليب المعيشة تتغيَّر مع الزمن، فلا يصح الإلغاء التام، ولا الإعجاب المطلق، لأن ما بينهما هو واقع الحياة الطبيعي، والتنوُّع سُنَّة كونية.

هناك ثوابت وهناك متغيِّرات، وهناك الطيِّب والخبيث، ويستحيل أن تحكم على شعبٍ كامل من رحلة سياحية، أو مسلسل تلفزيوني، أو من وسائل التواصل، أو لأنك سمعت.

إلا أن التاريخ يشهد، وشهادة التاريخ لا يمكن إنكارها، بأن بلاد العرب فيها الخيرات والبركات، مهبط الديانات، ومهد الحضارات، فيها العلم والتراث، فيها المواهب والنوايا الطيبة، فيها الروح الأخوية، وقيم النخوة والشهامة، وإلا لما تكالب عليها الأشرار لزعزعتها.

هنا الكويـت، وتاريخها المشرق في الأعمال الخيرية والمشاريع التنموية، في الوقوف مع الحق ورفض العدوان وكراهية الظلم.

هنا لا يبيت أحد جائعاً.

back to top