إصلاح التعليم (5)... والهيمنة الورقية
لا يزال البعض يظن أن تغيير المناهج هو مجرد تغيير الكتب الدراسية!
إن تطوير المناهج ليس بإعادة صياغة الكتب المقررة وإخراجها من جديد بذات النهج القديم! فهذا ليس تطويراً للمنهج، لكنه يسمى إعادة تصميم وإخراج الكتاب المقرر وتغيير المؤلفين.
فالمنهج باختصار، كل ما يتعلق بالنظام التعليمي، من الألف إلى الياء.
في المناهج التربوية لا توجد استراتيجية ثابتة لكل المواد التعليمية، فكل مادة لها خصوصيتها وطرق تدريسها وتقييمها وبناؤها الخاص.
فلو أردنا - على سبيل المثال - أن «نطور» طرق تدريس وتقييم مادة اللغة العربية، فيجب علينا أن نبدأ بشكل صحيح من مرحلة رياض الأطفال، وهذا بلا شك موضوع يحتاج لإعادة هيكلة نظام رياض الأطفال من جديد، ثم يتم إضافة المواد بطريقة بنائية متدرجة تناسب المرحلة التي تليها.
ومن الضروري أن نضع مقررا يختص بالقراءة السليمة والإلقاء والتحدث الارتجالي باللغة العربية شفهيا مع الطلبة والمعلم، في الإذاعة المدرسية، وفي المسرح المدرسي الذي يتدربون فيه على مشاهد تمثيلية حية.
ومن المهم إضافة مادة «منفصلة» للتعبير الكتابي، ليتعلّم فيها الطالب كيف تصاغ العبارات الرصينة من الركيكة، وليتعلم الفرق بين الكتابات الأدبية والخطابات الرسمية، وبين الكتابات الموضوعية العلمية المفصلة، والرسائل المستعجلة الموجزة.
ومن الضروري أيضاً إعادة تدريس مقرر الخط العربي لتحسين جودة الكتابة والاعتزاز بها. وبعد ذلك نقسّم الدرجات بالنسبة المئوية على: (امتحان تقليدي - امتحان تحريري «للتعبير» - امتحان شفهي «للنطق السليم والقراءة الصحيحة « - ثم يختار الطالب مشروعا أو بحثا أو عملا إذاعيا أو مسرحيا) وهكذا.. لنخرّج طالبا يتمتع بحفظ متقن وأداء جيد وشخصية قوية، مجيدا لطرق التفكير النقدي والوصفي والتحليلي، وأكثر استيعابا وإلماما بلغته الأم، الذي يفكّر بها ويبدع.
أعزاّئي القرّاء...
إن كل مادة دراسية لها خصوصيتها وبنيتها المعرفية والنفسية، وتفرعاتها المستقلة في طرق التدريس والتقييم.
فطرق تدريس اللغة العربية تختلف عن طرق تدريس العلوم والأحياء، وطرق تدريس الرياضيات تختلف عن الفنون، لذلك لا بُد من إعداد المعلمين إعدادًا جيدًا لهذه الطرائق المتعددة في الدريس والتقييم.
يذكر بعض التربويين قصة واقعية تبيّن لنا أن «النية الطيبة» في التغيير لا تكفي للإصلاح الحقيقي من دون تخطيط منظم.
يقول: لوحِظ في إحدى الدول العربية ارتفاع كبير في نسب الطلاق، فاقترح المختصون بالشؤون الأسرية إدراج مادة تُعنى بترسيخ مفهوم الزواج وبناء الأسرة.
الفكرة كانت بظاهرها العام «ممتازة»، لكن المشكلة ظهرت في التنفيذ، حيث لم يُدرَّب المعلمون على كيفية تقديم هذا المقرر الدسم بفاعلية. ثم كانت النتيجة أن تحولت هذه المادة المهمة إلى نصوص نظرية تُحفظ لاجتياز الامتحان!
أعزائي القراء...
إن قضية إصلاح التعليم هي «مشروع وطن»، فلا بُد من رؤية واضحة وبعيدة المدى يشترك فيها جميع المتخصصين والمعنيين، وهذا يحتاج إلى عمل مؤسسي دائم لا ينقطع ولا يتغير بتغيُّر الوزير.