«ترويض الطنطل» تدعو إلى قهر الخوف الساكن في الأعماق

• الرواية تركز على صراع الحقيقة والأسطورة من خلال سرد مفعم بمفردات البيئة الكويتية

نشر في 10-07-2025
آخر تحديث 09-07-2025 | 18:34
غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
تدعو رواية ترويض الطنطل إلى التخلص من المخاوف التي تقضّ مضجع الإنسان، عبر سرد يمزج بين الحقيقة والأسطورة، مصحوباً بلغة أدبية رصينة.
يفتتح الكاتب د. عزيز الفيلي إصداره بجملة «أحياناً الأبواب ليست مداخل؛ بل مجاهل تحملنا إلى ما نخاف مواجهته».

هذه الكلمات تعبّر عن مضمون الإصدار بأكمله، فهي تضع بين يدي قارئ الرواية مفاتيح العمل الأدبي، فمن خلال هذه الكلمات الموجزة يستطيع القارئ الولوج إلى أبواب عالم الرواية الفانتازي بكل سهولة ويُسر، متتبعاً امرأة تُدعى أمل وجدت نفسها في غرفة بيضاء وحيدة.

تمزج الرواية ما بين الواقع والخيال من خلال أحداثها، مقدمة حكايات تتمحور حول قهر الخوف الساكن في الأعماق، والهلع الرابض بين الأحداق، والألم الجاثم في الأبدان، والذكريات المؤرقة للإنسان، وغيرها من الأمور التي تقضّ مضجع بني آدم.

الرواية تحمل أفكاراً فلسفية تدفع إلى تنمية العقل والإدراك وتغذية الوعي الإنساني، فمن العنوان تبدأ الرحلة وتدفع إلى المواجهة أو الخروج من الدوامة، مواجهة النفس وتخليصها من مخاوفها، من الألم الذي يقض مضجعها، من القلق الذي يقيد تفاصيل حياتها، ومن الخوف الذي ينهش مفردات يومها.

كما تحرّض الرواية إلى الخروج من دوامة الفكر الخاطئ والتخلص من براثن الألم والوجع بسبب ذكريات سابقة.

وتطرح تساؤلات كثيرة من خلال السرد، فتنساب الأسئلة رويداً رويداً من خلال الأحداث، ومن هذه الأسئلة؛ هل يستطيع الإنسان مواجهة الخوف والقلق والهلع؟ كيف يتمكن من التخلص من الأفكار السلبية التي تستقر في ذهنه؟ ما السبيل إلى التصالح مع الذات؟ وكيف.. ولماذا؟

عمل متقن

وعن الرواية، يقول الأديب طالب الرفاعي في الغلاف الخارجي للإصدار إن «ترويض الطنطل» تشكل إضافة مهمة للسرد في الكويت، مشيراً إلى أن الكاتب يحسن توظيف أدواته الكتابية في عمله السردي المتقن.

وضمن هذا السياق، يقول الرفاعي: «قلة قليلة أولئك الذين تقرأ لهم للمرة الأولى، ويتولد لديك إحساس أنك أمام كاتب سبق له أن كتب أكثر من عمل. وهذا عينه ما انتابني حين بدأت بقراءة عمل د. عزيز الفيلي. وحين أخبرته بذلك كشف لي عن علاقة طويلة تربطه منذ طفولته بالقراءة، وهذا كفيل بقول كل شيء».

وفيما يتعلق بالكاتب، يرى الرفاعي أنه مع الكلمات الأولى للرواية، سيشعر القارئ بجزالة لغة د. الفيلي، وبسلاستها، وكذلك حُسن اختيار الكلمة الدقيقة في المكان المناسب. وربما هذا يرجع إلى علاقة الكاتب بالكلمة من جهة، وممارسته لمهنة الطب من جهة ثانية.

واختتم الرفاعي حديثه قائلاً إن «ترويض الطنطل» عمل روائي مُتقن ومشوق، يحمل من الواقعية بقدر ما يحمل من الفانتازيا، وهو يجيد اللعب على معادلة الخروج من آلام الواقع إلى سماءات الفانتازيا، خصوصاً مع ارتباط أجواء العمل بالبيئة الكويتية، ومن هنا فإن هذه الرواية تشكّل إضافة جديدة للرواية الكويتية.

حكاية أمل

ويبدأ الكاتب روايته الممتدة على 32 فصلاً بالتمهيد لحكاية أمل، ومن أجوائها: «حيث يبدأ كل شيء الغرفة البيضاء. استيقظت أمل على وهج أبيض يحيط بها من كل جانب، المكان بدا خالياً إلا من سرير معدني وطاولة خشبية قديمة في المنتصف، شعرت بجسدها وكأنه مُحاط بثقل غير مرئي، أطرافها واهنة، وكل حركة كأنها تكلفها روحها. على الطاولة، تراكمت ملفات طبية قديمة، وصور بالأبيض والأسود، من بين الصور، لفتت نظرها صورة امرأة، ابتسامتها خافتة، لكنّ عينيها تنضحان بقلق يثقل الروح. مدت يدها نحو الصورة، وعندما قلّبتها، برز نقش محفور على ظهرها: كل ألم له باب، وكل باب يخفي ما نخشاه».

الملثم الأخضر... رسالة من المجهول



بينما كانت تُقلّب الصورة، شعرت بصدى خطوات منتظمة ومهيبة، كأنها تعلن حضور شيء ليس من هذا العالم. التفتت لتجد رجلاً يقف عند الزاوية، يرتدي ثوباً عربياً ناصع البياض، ولثاماً أخضر يغطّي نصف وجهه. اللثام كان مزخرفاً بخيوط دقيقة كأنها خرائط مخفية، تلتف حول ملامحه التي لا تظهر سوى عينيه الداكنتين، عينا الرجل كانت حادة وواثقة، كأنهما نافذتان لعالم آخر.

«أنتِ هنا لأنكِ اخترت أن تكوني هنا، قال بصوت عميق يحمل نغمة حازمة، وكأنه يزن كل كلمة قبل أن ينطق بها.

قبل أن تستوعب أمل كلماته، شعرت برائحة عود دافئة تملأ المكان، وظهرت امرأة إلى الطرف الآخر من الغرفة، عباءتها سوداء، لكنها لم تكن عادية؛ نقوش ذهبية تتشابك على سطحها كأنها طلاسم قديمة أو رموز لا يمكن فك شفرتها بسهولة.

«الشيلة» التي تغطي وجهها كانت شفافة قليلاً، تظهر منها ملامح ضبابية، وكأنها طيف يختبئ في الظل، عندما تحدثت، كان صوتها دافئاً كصوت أم تحنو على طفلها، لكنه يحمل ثقلاً غامضاً: «لكن هل أنتِ مستعدة»؟

الباب ورموزه

بين الاثنين، بدأ الجدار الأبيض يتحول، وكأنه يتنفس، ليظهر باب خشبي ضخم خشب الباب كان مُتآكلاً، لكنّه مشبع بالرموز التي لم تفهمها أمل للوهلة الأولى. تموجات في الزاوية السفلى، كأنها أمواج بحر هائج، شعرت أمل أنها تمثّل حياتها المتقلبة التي لا تهدأ. رمز دائرة مقطوعة في الزاوية الأخرى، أشبه برحلة لم تكتمل أو حلم تخلّى عنه الزمن. نقش شجرة مائلة في منتصف الباب، أغصانها تتشابك مع رموز أخرى، كأنها تشير إلى نمو متردد وسط عاصفة.

في الأعلى، رمز الشمس، لكنه لم يكن مشرقاً؛ بل أشعة خافتة كأنها تغيب، تظهر إحساساً بضياع الوقت أو اقتراب نهاية مجهولة.

الحوار بين الغموض والشك

نظرت أمل إلى الباب، ثم إلى الشخصين الذين وقفا في صمت، وكأنهما ينتظران منها أن تفهم شيئاً لا يُقال. ما هذا المكان؟ ولماذا أنا هنا؟، سألت، لكن صوتها كان بالكاد يُسمع وسط الضجيج الذي يعصف برأسها. قال الرجل ذو اللثام الأخضر: هذا هو باب، مفتاح كل يثقل روحك ويجمد حياتك».

فيلكا... حيث يتحدث الزمن

يحرص الفيلي على تضمين حكاياته بأماكن حقيقية من مفردات البيئة الكويتية، حيث يكتب عن جزيرة فيلكا والمستشفى الأمريكاني والقصر الأحمر، ومن أجواء الفصل الخامس الذي جاء بعنوان «فيلكا»، حيث يتحدث الزمن، يتتبع الكاتب قصة أمل في جزيرة فيلكا وما حدث هناك: «عندما لامست قدما أمل رمال جزيرة فيلكا الرطبة، شعرت أنها تخطو إلى عالم آخر. كانت السماء مُلبّدة بالغيوم الرمادية، والجزيرة تبدو كأنها مهجورة، على الرغم من أنها مليئة بالأصوات الخافتة؛ حفيف الأشجار، نقرات خفيفة أشبه بخطوات تبتعد سريعاً، وهمسات لا تدري مصدرها.

بو راشد كان يقف إلى جانب السفينة، يراقب أمل بصمت. لم يقل شيئاً منذ أن اقتربت إلى الجزيرة، وكأن الحديث عن المكان محرّم.

هل سترافقني؟، سألت أمل، لكن النوخذة هز رأسه، وقال: هذه الأرض ليست لي، أنا مجرد جسر عبرت عليه، الباقي عليك».

بينما كانت تقرأ النقش شعرت بحركة خلفها. التفتت ببطء، لتجد الطنطل يقف على حافة الظل. لم يكن يشبه الطنطل الذي رأته في البحر. هذه المرة، كان أقرب وأكثر وضوحاً. عيناه كانتا مليئتين بشيء أشبه بالشفقة، أو ربما الغضب. لماذا تلاحقني؟»، صرخت أمل، صوتها كان خليطاً من الغضب والخوف. الطنطل لم يرد، لكنه اقترب خطوة نحوها. مع كل خطوة، شعرت أمل بآلامها تتصاعد. «أنت لست حقيقياً!»، صاحت، لكن كلماتها لم تُبعده. اقترب الطنطل حتى أصبح على بعد خطوات منها. لم يتحرك أكثر، لكنه رفع يده ببطء وأشار إلى النقش.

البداية؟ ماذا تعني؟ سألت أمل، لكن الطنطل لم يُجب.

فجأة، ظهرت صورة على النقش، كأن الصخرة تتحول إلى شاشة... الصورة على الصخرة بدأت تتحرك، والمرأة كانت تخلط الأعشاب في وعاء حجري، تهمس بكلمات لم تفهمها أمل، لكنها شعرت بها تخترق قلبها. ثم ظهرت عبارة مكتوبة على الصخرة: «العلاج ليس في طرد الألم، بل في احتضانه». اختفى الطنطل فجأة، واختفت الصورة معه.

back to top