العراق إلى أين... والخطر القومي الإيراني؟ (2)

لا يمكن لإيران تقبّل نظام معادٍ لها في العراق، فمنه تاريخياً يأتي الخطر على الأمن القومي الإيراني، فعبر العراق، ومنه، أسقط الإسكندر المقدوني داريوس الثالث عام 331 ق.م، لتسقط الإمبراطورية الفارسية. ومن العراق شن الرئيس الراحل صدام حسين حربه على إيران 1980 - 1988، الأمر الذي كبّد إيران أكثر من مليون قتيل. ومن العراق، شكلت الحرب الأميركية على الإرهاب الخطر المباشر على الأمن القومي الإيراني، خاصة بعد الاحتواء المزدوج لإيران من أفغانستان والعراق من قبل القوات الأميركية. شكّل تنظيم الدولة الإسلامية أيضا الخطر الوجودي على إيران. وحاليا، يُعتبر العراق ممراً جوياً أساسياً لسلاح الجو الإسرائيلي للدخول إلى الأجواء الإيرانية لاستغلال الهيمنة الجوية. وأخيرا وليس آخرا، يتواجد مركز ثقل الثروات الطبيعية - النفط - الإيراني على الحدود الجنوبية مع العراق، وذلك بالإضافة إلى خلاف حدودي، ومع حركات انفصالية في الأحواز. هذا بالإضافة إلى حدود مشتركة بين البلدين تصل إلى 1599 كلم. ومن هذه الحدود، يتظّهر الخطر الإسرائيلي حاليا على الأمن القومي الإيراني.
بعد سقوط الدولة العراقية، أسست إيران في مناطق نفوذها الإقليمية نموذجا، وآلية سيطرة فريدة من نوعها، كانت معتمدة من الكثير من الإمبراطوريات القديمة، خاصة الإمبراطورية الرومانية، مع يوليوس قيصر. ترتكز هذه الآلية على الأسس التالية: هناك مركز، وهناك الأطراف، (Center and Spike). المركز يدير الأطراف من ضمن استراتيجية الدفاع المتقدم، لمنع الخطر من الوصول إلى المركز، ويمول المركز الأطراف بما يلزم. وفي حالة إيران، كان هناك تماهٍ تام بين المركز والأطراف، خاصة في البعد الديني - المذهبي. وبذلك قد يمكن القول إن هناك نموذجا تكوّن في الدول التي تدّعي إيران أنها تسيطر عليها - 4 عواصم. يقوم هذا النمط على المعادلة التالية: بالبعد القانوني (De Jure)، هذه الدول تتمتع بالسيادة والاعتراف حسب القانون الدولي. لكن من منظار الواقع الحقيقي (De Facto)، هي دول مشرذمة، فيها حكومة لا تحكم، تسيطر على قرارها ميليشيات لا تأتمر بأمرها. تلعب هذه الميليشيات دورا هجينا. هي في الدولة كعبء أمنيّ ومالي - حالة العراق. وهي خارج الدولة عندما يطلب الراعي منها. ألم يبدأ حزب الله في 8 أكتوبر 2023 حرب الإسناد لغزة في ظل غياب رسمي كامل على صعيد الدولة اللبنانية؟!
تنتج هذه المعادلة واقعا يقول: «تربح إيران عندما يربح الوكيل، وتتركه يدفع الثمن وحيدا في حال الخسارة».
سقطت الأطراف مؤخرا، وخُرقت دفاعات المركز، لتسقط استراتيجية «الدفاع المتقدّم». فماذا عن وضع العراق؟
يرتبط وضع العراق مباشرة بالوضع الإيراني. وإذا تخلّت إيران عن الأطراف في المنطقة فإن العراق يعتبر في العقل الإيراني على أنه درّة التاج. بكلام آخر، قد يمكن استنتاج المعادلة التالية للعلاقة بين إيران والعراق: «إيران دولة عظمى إقليمية إذا كانت تسيطر على العراق، ودون العراق هي دولة عادية حبيسة الجغرافيا».
* خبير عسكري واستراتيجي