سياسة الاقتراض الحكومية والاغتيال الاقتصادي

خلال السنوات الماضية واجهت الحكومات السابقة عجوزات مالية، وعليه قررت الدولة السحب من الاحتياطي العام لتغطيتها. ونحن نعلم أن السحب من الاحتياطي العام لا يحتاج إلى موافقة مجلس الأمة، وأن السحب من احتياطي الأجيال القادمة هو الذي يحتاج إلى موافقة مجلس الأمة، أي وجوب إصدار مرسوم بقانون بهذا الخصوص.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو: كيف ستتم تغطية عجز الميزانية الحالية في السنوات القادمة؟
وفق تصريحات المسؤولين بوسائل الإعلام ووسائل التواصل، فقد قررت وزارة المالية الاقتراض من البنوك المحلية والمؤسسات المالية العالمية، وكذلك قررت إصدار بعض السندات والاقتراض من البنوك المحلية لسد عجز الميزانية.
ويعلم خبراء السياسة والاقتصاد والمال والأعمال المهام والدور السري والخفي الذي يقوم به «قتلة الاقتصاد» و«الاغتيال الاقتصادي للأمم»، والذين عرَّفهم جون بيركنز John Perkins في كتابه «Confessions of an Economic Hit Man»، بأنهم مجموعة من المحترفين الذين يهدفون إلى إقناع الدول بالاقتراض بمبالغ طائلة لإنشاء بنى تحتية، وإقامة مشاريع كبرى، لإيقاع هذه الدول في مصيدة تراكم الديون سنةً بعد سنة! ويحقق «القاتل الاقتصادي» المحترف أكبر نجاح عندما يكون مبلغ الاقتراض كبيراً، وتعجز الدولة عن السداد، وهنا تبدأ مرحلة السيطرة والتحكُّم في توجهات الدولة المقترضة وسياساتها وقراراتها المالية والاقتصادية والسياسية، والهيمنة على مصادر ثروتها. وبذلك، تفقد الدولة حريتها الاقتصادية والمالية وهيبتها السياسية، وتُصبح أسيرة لتوجيهات «قتلة الاقتصاد».
المواطن الكويتي يملك من الثقافة العامة والعلمية والمعرفة التقنية والاطلاع الواسع في مجال المال والأعمال، بحيث يصعب إخفاء المعلومات عليه، لذا فإن أساليب التكتيم وإخفاء المعلومات أصبحت أسلوباً يتنافى مع عصر الإنترنت والتقنية الرقمية وشغف جيل الشباب بالاطلاع ومتابعة مشاريع الدولة ومعرفة أين تُصرف الأموال العامة.
ويرى بعض المحللين الماليين أن العجز الذي تحقق هو نتيجة لما قامت به السلطة التنفيذية، بسبب سوء الإدارة الحكومية، والعبث المالي والسياسي، وليس عجزاً مالياً حقيقياً!
وأود التأكيد في هذا المقال، كما كرَّرت في مقالات سابقة، ضرورة وأهمية جودة وكفاءة الإدارة الحكومية، والشفافية في الأعمال والمشاريع الحكومية، وفي عمليات الصرف والإنفاق المالي، وأوجه الصرف لهذه الأموال، خصوصاً في حالة السَّحب من الاحتياطيات العامة للدولة، أو في حالة التوجه نحو الاقتراض بمبالغ ضخمة من البنوك والمؤسسات العالمية، حيث يتطلَّب ذلك الحذر من الوقوع في شبكة ومصيدة «قتلة الاقتصاد»، ودوامة الاقتراض والعجز المالي، كما حدث في الإكوادور عام 1968، وبإندونيسيا عام 1971، وغيرها من الدول التي وقعت في فخ الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية.
ويرى بعض الاقتصاديين أن الكويت لم تبلغ حد ضرورات الاقتراض. كما أن بعض المؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي، في بعض تقاريرها، ترى أن الخلل يعود إلى سوء إدارة الأصول المالية، وسوء الإدارة الحكومية.
وعليه، فإنه يجب على الحكومة عمل إصلاحات مالية وهيكلية وإدارية بالجهاز الحكومي، وعدم التسرُّع في اتخاذ قرار الاقتراض، سواء من المؤسسات المالية المحلية أو الخارجية، لأن دوامة القروض من السهل الدخول فيها، لكن من الصعب الخروج منها، ومعرَّضة لممارسات الفساد وسوء استخدام الأموال التي تم اقتراضها.
ويرى كثير من المتخصصين في مجال الإدارة والاقتصاد، أن من أهم الأسباب التي أدَّت إلى الاختلالات المالية والاقتصادية، غياب الرؤية الاستراتيجية، وضعف الرقابة والمتابعة الإدارية والمالية، وزيادة الصرف، والهدر الحكومي غير المبرر.
لذا أقترح أن تتم إعادة النظر في «رؤية الكويت 2035»، لكي تأخذ في الحسبان الأحداث الإقليمية والعالمية، والمتغيّرات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية المستجدة، وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي المحلي والميزانية العامة.
والدعوة مفتوحة لأصحاب الخبرة والاختصاص في المجال المالي والاقتصادي والإداري والاستثماري للإدلاء برؤاهم وآرائهم وخبراتهم القيِّمة في هذا المجال.
ودمتم سالمين.