مؤسستا الكويت وقطر: شراكة من أجل التقدم العلمي واستدامة المعرفة

نشر في 07-07-2025
آخر تحديث 06-07-2025 | 19:14
 د. حمد محمد علي ياسين

في عالم متسارع يقوده الابتكار والمعرفة، تتصدر مؤسستا الكويت للتقدم العلمي ومؤسسة قطر إقليمياً مشهد الاستثمار في المعرفة وتمكين المجتمعات من خلال العلم.

ورغم اختلاف النشأة والتوقيت، فإن المؤسستين تشتركان في رؤية جوهرية: بناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة، وتعزيز دور البحث والتعليم في تنمية الإنسان والمجتمع.

استثمرت المؤسستان لعقود في إنشاء منظومات معرفية متكاملة تخدم الحاضر وتؤسس للمستقبل. ففي الكويت، ساهمت مؤسسة التقدم العلمي في ترسيخ بيئة علمية داعمة للباحثين عبر تمويل المشاريع البحثية، وتأسيس مراكز علمية متخصصة كالمركز العلمي معهد دسمان للسكري، إضافة إلى دعمها المتواصل للابتكار والتعليم العلمي المبكر.

أما في قطر، فقد نجحت مؤسسة قطر في تحويل المدينة التعليمية إلى مركز إقليمي للتميز الأكاديمي، وجذبت جامعات عالمية كبرى، وأسست مراكز بحثية نوعية مثل سدرة للطب ومعهد قطر لبحوث الطب الحيوي، مع إطلاق برامج تنافسية لتشجيع الشباب على الابتكار.

وتبرز أهمية هذه الإنجازات حين ننظر إليها كجزء من مشروع خليجي أوسع يهدف إلى ترسيخ أسس مجتمع المعرفة وتعزيز الاكتفاء العلمي. فكلا المؤسستين لم تكتفيا بتمويل البحوث أو إنشاء المراكز، بل حرصتا على غرس ثقافة علمية مجتمعية قائمة على الابتكار والتفكير النقدي، ما يجعل التعاون بينهما خطوة طبيعية ومنطقية في مسار التنمية المستدامة.

هذا التعاون لا يعكس فقط تشابه الأهداف، بل يُجسّد الروابط الأخوية العميقة التي تجمع بين الكويت وقطر، التي تُترجم اليوم في شكل شراكات معرفية متينة تتخطى الجغرافيا وتُبنى على الاحترام المتبادل وتكامل القدرات.

فالمراكز التي أنشأتها المؤسستان من معهد دسمان للسكري في الكويت إلى سدرة للطب وواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، تمثل محطات استراتيجية يمكن من خلالها إطلاق مشاريع بحثية مشتركة تستهدف قضايا خليجية ملحّة كالأمراض المزمنة، وتحديات الطاقة، والتعليم الرقمي.

وتُرجم هذا التقارب في الرؤى إلى تعاون فعلي في مبادرات نوعية، كان أبرزها ورشة الطب الدقيق التي نظمتها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بالتعاون مع الأكاديميات الوطنية الأميركية، وبمشاركة باحثين بارزين من مؤسسة قطر، من بينهم البروفيسور هلال الأشول مستشار البحوث والابتكار في مؤسسة قطر والبروفيسور خالد فخرو مدير برنامج الطب الدقيق في سدرة للطب.

مثلت الورشة نموذجاً ناجحاً للتبادل العلمي الخليجي، حيث ناقش المشاركون سبل استخدام علم الجينوم والتقنيات الرقمية في تحسين تشخيص الأمراض المزمنة المنتشرة في الخليج، كأمراض القلب والسكر والسرطان.

مثل هذه المبادرات تعكس أهمية الشراكة بين المؤسستين في تجسيد العلاقات الأخوية بين الكويت وقطر في قالب علمي ومعرفي.

وكما قال المفكر الكندي جون رالستون سول: «المعرفة هي المورد الوحيد الذي يزداد كلما تقاسمه الناس»، فإن التعاون المعرفي بين المؤسستين لا يقتصر على تبادل الخبرات فحسب، بل يُسهم فعلياً في بناء بيئة علمية خليجية قادرة على إنتاج المعرفة وتصديرها.

فهي لا تبني فقط جسور تعاون بين العلماء، بل تفتح آفاقاً جديدة لاقتصاداتنا الخليجية للتحول نحو نموذج إنتاجي قائم على الابتكار.

كما أن هذه الشراكات تعزز من مكانة المنطقة كمساهم فاعل في الإنتاج العلمي العالمي، لا مجرد مستهلك له.

ويُحسب للقيادتين السياسيتين في البلدين دعمهما المستمر لمسيرة الاستثمار في العلم والمعرفة. فقد وفّرت رؤية القيادة في الكويت، منذ عهد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه، قاعدة صلبة لتأسيس مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، واستمرت بعهد سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح حفظه الله ورعاه في تمكين المؤسسة وتوسيع دورها.

وفي قطر، شكّلت رؤية الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ثم سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد، الإطار الوطني الطموح الذي وضع المعرفة في قلب استراتيجية الدولة، وجسّدته مؤسسة قطر تحت إشراف سمو الشيخة موزا بنت ناصر.

هذا الدعم السياسي غير المحدود وفّر للمؤسستين مساحة كافية للنمو، والاستقلالية اللازمة لاتخاذ قرارات استراتيجية تصب في مصلحة المجتمع والتنمية.

إن استمرار التنسيق والتكامل بين مؤسستي الكويت للتقدم العلمي ومؤسسة قطر لا يعكس فقط عمق العلاقات الثنائية، بل يشكل نموذجاً يُحتذى به للتعاون العربي في بناء مستقبل قائم على العقل والعلم والإنسان.

وكما قال العالم نيلز بور: «التنبؤ صعب، خاصة عندما يتعلق بالمستقبل، لكننا إن أردنا أن نصنعه، فلن يكون إلا بالعلم».

back to top