الجامعة وانتكاسة الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي
لقد كان خبراً أشبه بالصاعقة قرأناه حرفاً حرفاً، حين ترى حلمك يتلاشى وسعيك لعقد من الزمن يتهاوى، جهاز لطالما رأيناه قارباً ينازع لعقود لنجاة التعليم.
ففي أول لقاء صحافي خلال نوفمبر 2015، أطلقنا مشروع قانون يتضمن تحويله إلى هيئة اعتماد أكاديمي لها صلاحية التفتيش والإحالة للنيابة والقضاء، ونادينا بها لعشر سنوات، حتى آخر بيان ولقاء صحافي، وآخر كتاب بعثناه لوزير التعليم العالي، وآخر اجتماع بمكتب رئيس الوزراء، العام الماضي، فأشرنا إلى المضمون ذاته، لتكون هيئة مستقلة خارج إطار مجلس الوزراء تراقب وتفتّش وتضع القوائم والمعايير والبرامج وتشرع القوانين، ثم يأتي الخبر منذ أسبوعين بمنزلة رصاصة الرحمة على الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم!
فقد نشرت «الجريدة»، في الثامن عشر من يونيو الماضي، خبر توقيع جامعة الكويت «مذكرة تفاهم مع هيئة تقويم التعليم السعودية، لتعزيز التعاون بمجالات الجودة والاعتماد الأكاديمي لتطوير البرامج التعليمية بالجامعة، والاستفادة من خبرات الهيئة السعودية بمجال القياس والتقويم والاعتماد وتطبيق اختبارات القبول الجامعي، وتنظيم الورش والدورات، وبناء معايير الجودة وتنفيذ عمليات التقويم والاعتماد».
فتساءلنا للوهلة الأولى: هل تعلم الجامعة بوجود جهاز وطني كويتي للاعتماد الأكاديمي بذات الاختصاصات؟! لماذا تجاهلته وقد أنشئ عام 2010، وكان شعلة نشاط على يد إحدى الكفاءات التي وضعت معايير الاعتمادات المؤسسية والبرامجية، وتضمّن مرسومه هدفاً استراتيجياً لضمان جودة التعليم بتقييم مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة؟!
لماذا لم تلجأ له الجامعة، وقد أشرف على دوراته التدريبية خبراء دوليون لتهيئة أعضاء هيئة التدريس لعمليات الاعتماد الأكاديمي وتطبيق المعايير؟! علما بأنها ليست المرة الأولى التي تجاهلت الجامعة دور الجهاز، حيث لجأت - في السابق - كلية الطب إلى هيئة الاعتماد الأكاديمي التركية، رغم توافر معايير الاعتماد الأكاديمي الطبية لدى جهازنا الوطني، معتمدة من هيئة الاعتماد العالمية للعلوم الطبية.
نحن وإذ نبدو أعلاه نلوم الجامعة، فإننا سننقلب على أنفسنا دفاعاً عنها، لكونها تريد الإسراع بالنهوض على يد إدارتها الجديدة، بعد سنوات من الفساد الذي أعددنا لبعضه ملفات تُركن الآن على طاولتنا، لنقدمها لأصحاب الشأن.
فالجامعة اختارت الهيئة السعودية لأنها الأفضل على مستوى الخليج والمنطقة، ولأنها المتمكنة بأدائها وفق برامجها، وتمارس دورها بمهنية لتخضع لمعاييرها الجامعات السعودية، ولأنها، وهو الأقوى، تلقى دعماً حكومياً يلزم الجامعات بمعاييرها، وهي حرة مستقلة كما هي الحال ببقية هيئات الاعتماد في دول الخليج التي لا تخضع لوزارة التعليم العالي.
نحن لا نلوم الجامعة، لأن أحداً لم يجبرها على اللجوء لجهازنا الوطني للاعتماد الأكاديمي الذي همّشه، منذ إنشائه، وزراء التعليم العالي المتعاقبون، الذين قصروا مهامه على إصدار قائمة الجامعات المعتمدة وغلّ يده لسنوات عن الجامعات الخاصة، بل وتدخّل وزير سابق فأجبر الجهاز على اعتماد جامعة ركيكة، كما عطّل ذلك الوزير تعديل الجهاز لقائمة جامعات دولة عربية بإلغاء العشرات الهشّة منها بالقائمة القديمة، كان يهرول لها الفاشلون لنيل الدكتوراه! مما جعلنا نتدخل كـ «جمعية جودة التعليم» في مكالمة شديدة اللهجة مع الجهاز، وبضغوط أدت لإقرار القائمة الجديدة.
ولك أن تتخيل، وهذه ليست نكتة، أن تهميش الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وصل حتى كاد يُعيَّن فيه نائب للمدير العام شهادته مضروبة! بضغوط وفواحش ما كان يُسمّى مجلس الأمة، ولولا استنفار المديرة السابقة للجهاز، ومديرة الجامعة السابقة، لما تمّ إلغاء القرار.
لذلك، فنحن نطالب اليوم مجلس الوزراء الموقر، في عهد الحزم، بالنظر فيما تقدمنا به لتحويل الجهاز إلى هيئة مستقلة للاعتماد خارج الهيكل الحكومي لها من المهام والصلاحيات التي أشرنا إليها أعلاه، ليتم إنقاذ التعليم العالي والاعتماد الأكاديمي.
***
إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.