المسرح والدولة بين ضرورة الدعم وخطورة الخصخصة

نشر في 06-07-2025
آخر تحديث 05-07-2025 | 19:16
 أحمد فؤاد الشطي

المسرح في الكويت ليس مجرد فن، بل هو شاهد على تشكّل الوعي الوطني، ومرآة تعكس تحوّلات المجتمع، وصوت حر لطالما عبّر عن هموم الناس وآمالهم.

فمنذ خمسينيات القرن الماضي، انطلقت الحركة المسرحية الكويتية بروح تنويرية، وأسهمت الدولة بدور مركزي في رعايتها من خلال البنية التحتية، والتعليم الأكاديمي، والدعم المؤسسي.

غير أن ما نشهده اليوم من مؤشرات لتراجع الدعم، أو الاتجاه نحو خصخصة المسارح العامة بالكامل، يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل المسرح الكويتي، بل ومستقبل الوعي الثقافي في البلاد!

وشكّل المسرح الكويتي علامة فارقة في المشهد الثقافي الخليجي والعربي.

فمن خلال الفرق الأهلية مثل «المسرح العربي» و«فرقة مسرح الخليج العربي» وفرقتي المسرح الكويتي والشعبي، والمعهد العالي للفنون المسرحية والفرق المسرحية الخاصة، رسّخت الكويت حضورها كمركز إبداعي متقدّم.

وقد ناقشت الأعمال المسرحية الكويتية قضايا جوهرية مثل التعليم، المواطنة، المرأة، الفساد، والتعايش، وقدّمت نماذج فنية ذات بُعد فكري وإنساني لا تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية الخليجية.

إن استمرار دعم الدولة للمسرح ليس مسألة مالية فحسب، بل هو خيار استراتيجي للحفاظ على الهوية الوطنية، وتغذية الحس النقدي، وتعزيز الحوار المجتمعي.

فالمسرح يُعد منبراً ثقافياً وللناشئة تربوياً مكملاً للمدرسة والجامعة، وفضاءً آمناً لمناقشة القضايا الشائكة بعمق حضاري. كما أن دعم الدولة يحفّز الاقتصاد الإبداعي، ويوفر فرص عمل للمئات من الكوادر الفنية والمهنية.

غياب الدعم، أو اختزاله إلى الحد الأدنى، يحوّل المسرح إلى نشاط ترفيهي محض، موجّه للربح لا رسالة له، ويضعف مشاركته في صناعة وعي الجمهور.

الأهم من ذلك، قد تفقد الدولة أحد أبرز أدواتها الناعمة في زمن تتسارع فيه التحديات الثقافية والفكرية!

لقد طرحت في الآونة الأخيرة خطط لخصخصة المسارح العامة وتحويل إدارتها للقطاع الخاص. وإذا كانت الشراكة مع القطاع الخاص خياراً مشروعاً في القطاعات التجارية والخدمية، فإن تطبيقه حرفياً على البنية الثقافية، دون ضوابط واضحة، يحمل مخاطر عدّة:

​• ​أولها فقدان العدالة الثقافية: إذ قد لا يتمكن الفنانون الشباب والفرق الأهلية أو الطلاب من تحمّل تكاليف استئجار المسارح التجارية.

​•​ ثانيها غياب الرسالة المجتمعية: إذ سيتحوّل المسرح إلى مُنتج خاضع للعرض والطلب، لا إلى منصة توعوية أو وطنية.

​• ​وثالثها تآكل الذاكرة المؤسسية: فالمسارح العامة ليست مجرد مبانٍ، بل رموز سيادية ثقافية وجزء من وجدان المجتمع.

إننا لا نرفض إشراك القطاع الخاص في تطوير الحياة المسرحية في الكويت، بل نرى فيه ضرورة لتحديث البنية وتنويع مصادر التمويل. ولكن من الأفضل أن يتم هذا عبر تخصيص أراضٍ فضاء جديدة للقطاع الخاص، يتولى من خلالها بناء مسارحه الخاصة، ضمن شروط عادلة ومتوازنة.

ويمكن للدولة أن تقدم حوافز مثل الإعفاءات أو تسهيلات البناء، مقابل التزام الطرف الخاص بتقديم نسبة معينة من العروض الوطنية، أو تسعيرات مخفّضة للطلبة والفرق الشبابية. بهذا التوازن، نكون قد فتحنا الباب للربح والنجاح، دون أن نفرّط بالمصلحة الثقافية العامة.

خاتمة

المسرح الكويتي لم يكن يوماً هامشياً، بل كان جزءاً من بناء الوعي العام، وتشكيل الشخصية الكويتية المعاصرة. إن التخلي عن دعمه أو خصخصة بنيته التحتية بالكامل سيُفقد الكويت أحد أعمدتها الثقافية التاريخية، ويقوّض دورها الريادي خليجياً وعربياً. لذلك، فإن المطلوب اليوم ليس فقط الحفاظ على ما تبقى، بل إعادة الاعتبار للمسرح بوصفه شريكاً في مشروع الدولة ونهضتها، لا مجرد نشاط فرعي خاضع لتقلبات السوق!

back to top