العراق إلى أين... بعد انحسار إيران الجيوسياسي؟ (1)

نشر في 06-07-2025
آخر تحديث 05-07-2025 | 20:32
 إلياس حنا

لا تختلف إيران عن غيرها من الإمبراطوريات القديمة في رسم ووضع مسلَّمات جيوسياسية، تكون نبراساً لوضع الاستراتيجيات الكبرى. تنبثق عادة هذه المسلَّمات من ثلاثة أمور أساسية، هي: الجغرافيا، والطوبوغرافيا، كما الديموغرافيا. هذا مع التذكير بأن كل الإمبراطوريات، وبسبب توسعها، كانت تحوي الكثير من الأمم، لكن مع أغلبية للأمة المؤسسة.

تُحدِّد الجغرافيا العلاقة مع المحيط، إن كان في السلم، أو في الحرب. توجّه الطوبوغرافيا بوصلة المسالك للتوسع في المحيط وما بعده. وعليه، تخلق وتنتج هذه التفاعلات، ما يُسمى بـ «الثقافة الاستراتيجية»، وضمنا طريقة القتال أو العقيدة العسكرية. لكن الأكيد، أنه ضمن الصراع الجيوسياسي بين الدول، تتقدَّم دائماً المُسلَّمات الجيوسياسية على الأيديولوجيا. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، ما أراده شاه إيران الراحل من المحيط المباشر لإيران، ومن المنطقة، هو نفسه ما خطَّطت له القيادات الإيرانية الدينية. وما بين الدِّين مع إيران الحالية، والقومية الفارسية مع الشاه، الثابت هو المُسلَّمات، حتى لو اختلفت الأيديولوجيا، واختلفت الطُّرق والظروف.

تفرض الجغرافيا سلوكاً معيناً على إيران. فالخطر الدائم على الأمن القومي الإيراني عادة يأتي من غرب إيران، والمقصود بالطبع هو العراق. كان الاستثناء الوحيد عندما أسقط الأفغان الدولة الإيرانية، ليعود نادر شاه بعدها إلى إعادة التأسيس. فما هي المسلَّمات الجيوسياسية الإيرانية؟

• وحدة الأرض، ووحدة الشعب، خصوصاً في خريطة الأقليات، الاثنية منها، كما الدينية والمذهبية.

• ديمومة النظام، وهي مُسلَّمة تتعلَّق مباشرة بالسُّلطة الحاكمة، إن كانت مع الإمبراطورية، أو مع الملالي.

• الحفاظ على الثروات الطبيعية، خاصة في الأطراف.

• الحفاظ على مركز الثقل في وسط إيران (Core)، أي المنطقة الجغرافية الواقعة بين سلسلتَي جبال زاغروس والبرز، حيث يتواجد الثقل الإيراني - الفارسي الاثني.

• القدرة على التأثير في المسطحات المائية، وهي: بحر العرب، والخليج العربي، وبحر قزوين، كما البحر الأبيض المتوسط من خلال حزب الله قبل سقوطه، وأيضاً في البحر الأحمر عبر الوكيل الحوثي.

• ولأن الداخل الإيراني عادة هش، فقد سعت إيران بعد الحرب مع العراق (1980- 1988) إلى بناء استراتيجية ما يُسمى بـ «الدفاع المتقدِّم»، (Forward Defense)، عبر خلق وكلاء عنها لحماية الداخل الإيراني. ساعدت الفوضى الإقليمية المشروع الإيراني، خصوصاً الحرب على الإرهاب، أو ما يُسمَّى بـ «الربيع العربي». فقالت، وفق بعض المسؤولين الإيرانيين - وزير سابق، إن إيران تسيطر على 4 عواصم عربية، صنعاء، ودمشق، وبيروت، وبغداد. فماذا عن بغداد والمسلَّمات الجيوسياسية؟

* خبير عسكري واستراتيجي

back to top