احتجاجات فينيسيا والسياحة في الديرة!

نشر في 06-07-2025
آخر تحديث 05-07-2025 | 19:14
 الجازي طارق السنافي

في الأيام الأخيرة، اجتاحت مدينة فينيسيا الإيطالية موجة احتجاجات غير مسبوقة. لم تكن هذه المرَّة ضد قرارٍ حكومي أو أزمةٍ معيشية مباشرة، بل ضد حفل زفاف سياحي فاخر لمؤسس شركة أمازون جيف بيزوس على ضفاف المدينة العائمة، لكن حفل الزفاف لم يمر بشكلٍ سلس هذه المرَّة، كما هو متوقع، حيث رفع أهل المدينة لافتات استنكار واحتجاج، محاولين «تخريب» العُرس الأسطوري، والتي كُتب عليها عناوين، مثل: «فينيسيا ليست للبيع»، و«مَنْ يملك مدينة يجب أن يدفع ضرائب عنها»، و«نحن لسنا ديكوراً لحفلات الأثرياء».

لكن هذه الشعارات لم تكن موجهة فقط إلى بيزوس، بل إلى واقعٍ أوسع، يعيشه العديد من سكان المدن الأوروبية، بعدما حوَّلتها السياحة إلى مدنٍ غير صالحة للمعيشة - وفق كلام أهلها - بسبب غلاء الأسعار، وارتفاع أسعار الإيجارات، وطرد العديد من المؤجرين، وتحويل الشقق إلى إيجارٍ قصير المدى للسياح.

فسكان أوروبا بدأوا فعلياً رفع أصواتهم ضد «السياحة المُفرطة»، ولم تكن فينيسيا وحدها، بل في برشلونة، تحوَّلت اللافتات على الجدران من لوحات ترحيب إلى تحذيرات تقول: «Go Home Tourists»، أي غادروا المدينة أيها السياح. وهناك كذلك نشاطات عنيفة يمارسها سكان المدن ضد السياح، مثل رشِّهم بالماء، وإيذائهم أمام الفنادق. وفي لشبونة، ازدادت الاعتداءات على السياح، بسبب ما يصفه السكان

بـ «سرقة الحياة اليومية»، إذ ارتفعت الإيجارات، وأُغلقت المحال الصغيرة، وغادر السكان أحياءهم، بسبب السياحة وقوانين السياحة في بلدانهم كذلك.

فهل تتحوَّل السياحة من فرصةٍ تنموية إلى فخ مؤجَّل؟

وسط هذا المشهد الدولي، تتجه الكويت بخطوات - وإن كانت بطيئة جداً - نحو تعزيز قطاع السياحة. نتحدَّث اليوم عن خطة تنموية شاملة جديدة وجهودٍ لتحسين البنى التحتية، وانفتاحٍ ثقافي واستثماري لجذب الزوار وتحويل الكويت إلى مركزٍ ماليٍ وتجاريٍ وسياحيٍ جديد.

من حيث المبدأ، لا خلاف على أهمية هذا التوجُّه لتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل، وتعزيز الهوية الثقافية للبلد، والبدء في الانفتاح الثقافي والسياحي، لكن علينا فتح هذا النقاش، حتى إن كان مبكراً فـ «الوقاية خيرٌ من العلاج». والسؤال المطروح ليس إن كان علينا دعم السياحة، بل كيف نُدير هذا التحوُّل من دون أن نُعيد إنتاج مشاهد فينيسيا وبرشلونة في مدننا، خصوصاً في ظل محاولة معالجة التركيبة السكانية.

فالكويت تعاني أصلاً أزمة حادَّة في أسعار السَّكن والأراضي، فما الذي سيحدث إذا أُضيف إلى هذه المُعادلة طلب جديد من مستثمرين وشركات سياحية وسكن مؤقت لأعداد كبيرة من السياح؟ هل سيستفيد المواطن من هذه النهضة؟ أم سيجد نفسه بعد سنوات مُضطراً لمغادرة منطقته واللجوء إلى مناطق بعيدة أقل تكلفة؟ حين نغفل هذا الجانب الإنساني، ونُدير المدن كأنها مشاريع استثمارية فقط، فإننا نرتكب خطأً سيكلفنا غالياً في المستقبل.

لهذا، نحتاج اليوم - قبل الغد - إلى وضع إطارٍ وطني واضح للسياحة في الكويت، كيف نوازن بين الزائر والمُقيم؟ وكيف نحمي الطابع المحلي من التلاشي؟ وكيف نمنع وقوع تجربة مماثلة لفينيسيا لدينا؟

التحوُّل السياحي ليس عدواً، لكنه قد يُصبح كذلك إن غاب عنه التخطيط الصحيح والرؤية بعيدة المدى.

بالقلم الأحمر: لعل أفضل ما يمكن أن نفعله اليوم هو أن نتعلَّم من أصوات المحتجين في فينيسيا وبرشلونة، لا أن ننتظر حتى نرفع نفس اللافتات في مُدننا مستقبلاً.

back to top